البلد ذاهب إلى مهوار عجقة الصيف والابتهاج بالفريش دولار من دون أن تتحرّك الدولة للتوعية والتنبيه والتحذير من ازدحام القرى بالأبناء العائدين وعجقة أعراس الساحات والدبكة، هل تذكرون كيف تفشّى كورونا في الصيف الماضي، وكيف تسبب شخص واحد حامل للفيروس بعدوى معظم أبناء قريته؟ قد لا يرغب اللبنانيّون بالتذكّر لأنّ الإقفال العام الذي تسبب به تفشّي كورونا أوجعهم وترك كثيرين يسخرون أو يتذمّرون من الإقفال، فقضى من قضى ضحية الوباء وسلم من عافاه الله من الفيروس، ولكن الخسائر في الأرواح كانت كبيرة جدّاً. اليوم نحن أمام السيناريو نفسه لأننا أمام الدولة ذاتها التي لا تأخذ القرارات إلا بعد فوات الأوان، لذا جاء تحذير مدير مستشفى بيروت الحكومي الدكتور فراس الأبيض من أنّ «كورونا لم ينتهِ وطالما هو يتحوّر فهذا يعني أننا لسنا بأمان» كجرس إنذار مبكّر جداً ولكن هل من يسمع؟
مشكلتنا الحقيقيّة كما منذ اليوم الأول الذي تسرّب فيه الفيروس إلى الأراضي اللبنانيّة، مشكلتنا أبواب مطار بيروت المشرّعة، لم نسمع من وزير الصحة خطة وزارته لمواجهة كورونا في نسخته الهندية هذه المرة سواء نسخة دلتا أو الطفرة الجديدة التي حملت إسم دلتا إكس، وكأن لا إجراءات قد اتخذت من أنّ السلالة الهندية بلغت أكثر من دولة عربيّة ومعظمها رحلات ومواطنوها حضروا لتمضية إجازة الصيف في لبنان، فهل من إجراءات ما في المطار تحول دون تفشّي الموجة الثالثة لكورونا في لبنان ولكن بنسخته الهنديّة الفتّاكة هذه المرّة، نحن أمام واقع يختصر بجملة واحدة «خلصنا من الصين طلعتلنا الهند»!!
يجب أخذ تحذير الدكتور وسيم الأبيض على محمل الجدّ فالرّجل أوّل كبار المناضلين في وجه كورونا وعلى خط الدفاع الأول عن أرواح اللبنانيين منذ الإصابة الأولى، وهو يحذّر بجديّة من أنّ: «السلالة الهندية لن تتأخر قبل أن تصل إلى لبنان طالما الوضع غير مضبوط في المطار»، لذا وقبل فوات الأوان نتوجّه إلى وزير الصحة الدكتور حمد حسن وهو أيضاً رجل الخط الأول للدّفاع عن أرواح اللبنانيين، المطلوب من معاليه وبالتعاون مع الوزارات المختصة وضع سلسلة حماية لمطار بيروت من الإصابات التي قد تفد إلى البلاد وهي تجهل إصابتها والتي لا يكشف فحص الـ pcr أنها تحمل الفيروس إلا لاحقاً. باب المطار يأتينا منه ريح العدوى وتفشي السلالات المتحوّرة من كورونا فلنراقبه بدقّة علّنا نستريح.
بشكلٍ عام لا نميل إلى التفاؤل والابتهاج برفع دول كفرنسا وإسبانيا أو تركيا إجراءاتها التي كانت متخذة وقاية من كورونا إلى حدّ الاستغناء عن الكمّامة، في وقت تعاني بريطانيا من تفشّي السلالة الهندية، وهذه وحدها مدعاة للقلق، في ظلّ فصل الصيف واختلاطه المتسيّب. الشهران المقبلان سيكونان صعبين جداً، وعلى المواطنين أن يدركوا صعوبة الأمر وأن لا تأخذهم هيصة حلقات الدبكة ودخان المعسّل وهو يعبق في الأرجاء خصوصاً مع فتح المقاهي أبوابها لمحبي كأس الأمم الأوروبيّة الذين سيقصدونها لمتابعة المباريات، هذا أول الغيث والبقيّة تأتي…
يختلط هواء لبنان صبحه ومساؤه بأجواء كلّها تعكير للحياة، ولتعكير صفو الصيف وبراءة اللحاق بالنسمات والموجات مهما صارت الأمور ضاغطة وفوق طاقة احتمال هذا الشعب، فلا تحليق سعر الدولار ولا انهيار قيمة الليرة ولا طوابير البنزين ولا احتكار الدواء ومنعه عنه ومآسيها لوت ذراع الشعب اللبناني ولا هزمته أزمات المصارف وتشليحه أمواله ولن تغيّر من صبحيته طوابير مطاحن البنّ وتحرمه فنجان قهوته المعتاد، كلّ هذه عبارة عن مشاهد مستعادة من زمن «وما فشرتو» تهزموا الشعب اللبناني… ولكن أكثر ما نخاف على هذا الشعب هو عدم امتثاله لإجراءات السلامة، في وقت كورونا بمتحوّريْه الهنديّيْـن اللذين عاجلاً أم آجلاً سيصلان في هذا الصيف إلى البلاد في غفلة من وزارة الصحة ومن شعب مأخوذ بالبسط والرّقص والاكتظاظ عن بكرة أبيه!