تأثيرات الكورونا كبيرة على كل شيء. في سنة 1968، نشر الاقتصادي «بول ارليك» كتابا عنوانه «القنبلة السكانية» كإنذار لما يمكن أن يحصل. الحقيقة أن القنبلة لم تحصل ولا شك أن الكورونا تساعد اليوم على ذلك عبر انخفاض نسب الانجاب وزيادة الوفيات. نجح العالم في العقود الماضية في محاربة الفقر لكن الكورونا ستعدل المسيرة بسبب توجيه الايرادات أكثر بكثير نحو الصحة بدل الغذاء والتعليم والتكنولوجيا.
قبل الكورونا في سنة 2019 وتبعا لمنظمة الصحة العالمية، كان عدد وفيات البدانة أعلى بكثير عالميا من عدد وفيات الجوع، لكن اليوم المعادلة تنعكس لصالح الجوع بسبب الأمراض والانتاج الغذائي ومشاكل الصحة. في الولايات المتحدة وفيات الكورونا كانت الثالثة في العدد في سنة 2020 بعد القلب والسرطان. احصائيات الوفيات مقلقة بل مخيفة في كل الدول في أوروبا واليوم في البرازيل التي تعاني كثيرا. أكثر من 10% من سكان العالم لا يحصلون على الغذاء الكافي في الكمية والنوعية، كما أن أكثر من 10% من أطفال العالم لا يتغذون كما يجب. لا شك أن هذه الاحصائيات الخطيرة تزداد سؤا يوما بعد يوم. من أهم مشاكل الفقر عدم توافر المياه العذبة بكميات كافية للجميع وخاصة للفقراء. الصراع الذي يحدث بين أثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى هو دليل على قوة المياه في العلاقات الدولية الحالية والمستقبلية.
بلغت نسبة النمو السكاني العالمي السنوي 2% في ستينات القرن الماضي وأصبحت 1,09% في سنة 2020. بلغ عدد سكان العالم 2,5 مليار في سنة 1950 وارتفع الى 6,1 مليار في سنة 2000 ومن المتوقع أن يصل الى 9,7 مليار شخص في 2050، هذا قبل الكورونا. في مجموعة 65 سنة من العمر وما فوق، زادت نسبتهم من 5,1% من مجموع السكان في سنة 1950 الى 7,6% في سنة 2010 والى متوقع 15,9% في سنة 2050. الأسباب معروفة ومرتبطة بالصحة والغذاء والرياضة وغيرها. أما نسبة سكان المدن، فارتفعت عالميا ووصلت الى 34% من مجموع السكان في الهند، 92% في هولندا، 82% في الولايات المتحدة والى نسب مرتفعة في أكثرية الدول العربية. تكاثر سكان المدن سمح اليوم للكورونا بالانتشار السريع مما فرض الحجر المزعج لكن الضروري في أكثرية الدول.
ستؤثر الكورونا أكثر على الزيادات السكانية عبر الانجاب كما الوفيات. تؤثر الكورونا أيضا على الاقتصاد أي على اليد العاملة في العدد والنوعية والاختصاص. التأثير على صحة العمالة واضحة، اذ أن الكورونا تصيب انتاجية العامل. هنالك ضرورة اليوم لتغيير الاختصاصات بسبب ضرب قطاعات ونمو أخرى. في قطاع السياحة وما يتبعه من مؤسسات، يحاول العمال تحويل اختصاصهم الى قطاعات أخرى ربما في الصحة أو التكنولوجيا وخاصة الفنون التي تزدهر في أقسام متعددة وهنالك فرص نجاح كبيرة اذا وجد الحد الأدنى من الكفاءة.
أما دور النساء في الانتاج فتغير كثيرا اليوم ايجابا وسلبا. في الايحابي، سمحت الأوضاع الكورونية للنساء بالعمل من المنزل وبالتالي مشاركة الرجال في النمو. في السلبية، نجد تراكم التحديات على النساء أي العمل من المنزل والاهتمام بالأولاد وحاجات العائلة في مكان واحد مما يعطل أحيانا التركيز ويسيء الى الانتاجية. تكمن المشكلة في أن الجميع لا يعرف اذا كانت اجراءات اليوم مؤقتة أو دائمة. ربما العودة الى حياة الماضي ستطول. العمل عن بعد جزئيا أو كليا سيدوم لفترات طويلة والتحضر له ضروري. كذلك التعليم عن بعد سيبقى بالرغم من أن بعض التعليم الحضوري عاد اليوم بحذر.
تؤثر الكورونا كثيرا على القطاع المالي أي على فرص الاقراض كما على نمو الودائع. نرى عالميا عودة النقد أكثر بعد سنوات من الهروب منه بسبب الخطر والفساد التهريبي المعروف المرتبط به. التأثير كبير أيضا على المالية العامة حيث تضطر الدول اليوم الى دعم شعوبها كي يستمروا في الحياة الصعبة حيث تضعف خلالها الايرادات الضرائبية. هنالك دول رائدة تعيد الضرائب المدفوعة سابقا الى المواطنين كي يستهلكوا ويستثمروا اذا أرادوا. منذ نشأة العلوم الاقتصادية، هنالك شعور بأن الحوافز المالية تؤثر على تصرفات الانسان. طبعا ليست الحوافز وحدها المؤثرة، وانما هنالك عوامل اجتماعية ونفسية كبيرة أيضا. لا شك أن الكورونا تعمق الفقر وبالتالي تؤثر سلبا على تصرفات الانسان في جميع المواضيع وخصوصا البيئية.
الفقر والبيئة متلازمان حيث أن الطبيعة هي من أهم أصول الدول الفقيرة. نتعجب أحيانا من دول فقيرة تحاول نسخ التجارب الغربية في النمو أي الاستثمار في الطبيعة والأرض دون النظر الى التأثيرات البيئية. في الحقيقة النمو عبر الصناعة أصبح اليوم أصعب بكثير من النمو عبر الطبيعة والنشاطات الخضراء المرتبطة بها. نسخ تجارب دول شرق أسيا في التكنولوجيا والصناعات الالكترونية ليس سهلا اليوم والمنافسة العالمية كبيرة. أما في البيئة وجمال الطبيعة في أفريقيا وغيرها، فالمنافسة أقل بكثير وبالتالي النمو يكون أسرع.
الهجوم الاقتصادي الصيني وغير الصيني في أفريقيا يفرح العديد من القلوب، لكن التأثير على البيئة الأفريقية يتم تجاهله. هل يفضل الأفريقيون الغاز الفحمي الملوث على الهواء النظيف والسماء الزرقاء والمياه العذبة؟ الأجانب لا يأتون الى أفريقيا لاحياء الأرض والثقافة والتاريخ بل لجني الأرباح على حساب كل شيء بما فيه الفقير. تدمير الطبيعة هو في اتجاه واحد أي أن الانقاذ والعودة الى الوراء صعب جدا بل مستحيل.
الحقيقة أن مشكلة العالم اليوم هي مشكلة سياسات خاطئة جشعة متهورة أنتجت الكورونا وغيرها من الشوائب على مدى قرون. مساهمة المواطن الأفريقي في التلوث العالمي أقل بكثير من المواطن الغربي، والجميع يحلم بالوصول الى عالم منتج لا يضر بصحة الانسان. هنا يكمن التحدي الكبير.
تبعا للبنك الدولي، هنالك 37 دولة أفريقية اقترضت منه للاصلاح والنمو. انخفض الدخل الفردي 27% فيها بسبب سياسات النمو الخاطئة ومحاولة نسخ التجارب الغربية والأسيوية التي كانت ناجحة في وقتها ولم تعد كذلك. النسخ دون وعي واهمال الأفضليات والمصالح الداخلية هو من أسواء الأخطاء التي تقع فيها الدول الفقيرة.
أخيرا ما الذي يمكن عمله اليوم للعودة الى النمو بالاضافة الى محاربة الكورونا عبر التلقيح الشعبي العام؟ التغييرات مطلوبة في حياة الانسان تجنبا لتكرار الكورونا بشكل أو آخر، منها العودة الى تنشيط الزراعة والتعليم واحترام الشروط البيئية الطبيعية والصحية المعروفة عالميا. هل ننجح؟