إذا استفحل الغباء وهيمن الهراء فلا بدّ أن يتحوّل أي شيء إلى وباء… وتحديداً في قضية فيروس كورونا، فإنّ الهلع العالمي والمعلومات المغلوطة ينتشران أسرع من الفيروس نفسه، حتى أصبحت الناس مصابة بغباء المعلومة قبل أن تُصاب بوباء الجرثومة.
وفجأة، وفي عزّ هذه الأزمة الصحيّة التي تُشغل بال العالم أجمع، تحوّل الصحافيون والإعلاميون ومقدّمو البرامج والناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مبشّرين صحيّين، حتى أصبحوا أهمّ من الأطباء والجرّاحين وعلماء الجراثيم والأوبئة، ووضعوا أنفسهم في الصفوف الأمامية في معركة القضاء على كورونا، وباتوا جنوداً في حرب لا يفقهون شيئاً بقواعدها وأسرارها وخططها.
منذ 31 كانون الأول 2019 وحتى اليوم، أصيب حوالى 110 آلاف شخص بفيروس كورونا حول العالم، مات منهم 3800 شخص وشفي 61 ألف مريض. أمّا المعلومات المغلوطة، فقد أصابت مليارات البشر حول العالم ولم يشف منها أحد حتى هذه الساعة، لأنّ سياسة نشر الخوف باتت متّبعة أكثر من سياسة التوعية والتطمين. وهذا طبع البشر في الأساس. لأننا في أوقات الأزمات وفي لحظات الخوف، نميل أكثر إلى تصديق ما يُفاقم خوفنا، ونتبنّى كل ما يمرّ تحت أعيننا مهما كان مصدره وصحّته.
إذا كان طبيب العيون لا يحقّ له وصف دواء للقلب، وإذا كان الصيدلي لا يحقّ له حتى توصيتنا بأفضل نوع من الشاي، فكيف أصبح الواقفون أمام الكاميرات مصدر أمننا الصحّي والنفسي! وكيف تحوّلت أخبار الواتساب والسوشل ميديا وصفاتنا الطبيّة اليومية؟ كما لو أنّه لم يكن يكفينا هلع الليرة والدولار، وهلع الاقتصاد والأمن والسياسة، وهلع السرقة والفساد والظلم، حتى جاءنا هلع الكورونا ليلهينا عمّا هو أخطر منه بكثير.
هل تذكرون زميلكم في العمل الذي كان يأتي في الماضي، يعطس ويسعل أينما كان، ويسلّم ويحضن ويقبّل أياً كان، وكانت الحياة عادية، وكنّا نقول عنه «مرشّح» وكلها يومان ويشفى. هذا الزميل تحديداً، كان يكون مصاباً بالأنفلونزا، تلك اللئيمة التي لم نكن نخاف منها ولا تصيبنا بالهلع. لكن هل تعلمون أنّ الأنفلونزا ترسل قرابة 5 ملايين شخص إلى المستشفى كل عام قبل أن تقتل 500 ألف منهم حول العالم… لكن لم نرَ أحداً يهلع.
في أسوأ يوم من الكورونا، في 10 شباط 2020، مات 108 أشخاص في الصين. لكن في ذاك اليوم بالتحديد، مات 26300 شخص بالسرطان، و50 ألفاً بأمراض القلب، و4500 بالسكري، وانتحر 2200 شخص، والأغرب أنّ البرغش قتل 2740 شخصاً حول العالم… لكن لم نسمع أحداً يهلع أو يُصاب برهاب البرغش.
وحتى مع كل التطمينات الطبيّة، ومع كل الإرشادات بسهولة حماية أنفسنا من الكورونا، عبر غسل أيدينا والابتعاد عن الأشخاص المصابين… إلّا أنّ المعلومات المغلوطة أدّت إلى هلع عالمي لشراء أقنعة الوجه، التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني وإنقطاعها من أكبر الأسواق العالمية، علماً أنّ القناع لا يحمينا من الفيروس بل يحمي غيرنا من فيروساتنا.
ولسخرية القدر، يبلغ معدّل الوفيات من فيروس كورونا حوالى 2 في المئة، باستثناء لبنان الذي يعاني شحّاً خطيراً في المواد الطبيّة، والذي قد يرفع هذا المعدّل إلى أرقام قياسية… وفي لبنان معدّل البطالة تخطّى 35 في المئة، ومعدّل التلوّث حدّث ولا حرج، ومعدّل العجز يخبرنا عنه الجوع والفقر في بلادنا، ومعدّل الفساد أصبح أعلى من القرنة السوداء. نحن بتنا رسمياً في بلد كسر كل المعدّلات، وحتى في كورونا يسابق إلى الحضيض كالعادة.
وإذا كان العالم يخاف الموت من كورونا، ففي لبنان نحن محتارون بماذا نموت، ومن أي تقصير نهلك… وإذا كان لا بدّ أن نهلع، فليس من كورونا، بل من الذين سرقونا ونهبونا وجوّعونا وهجّرونا وغرّبونا وأفلسونا وسجنونا وعدمونا… لا بدّ أن نهلع من وباء سياسيين يرقصون الدلعونا على أشلاء لبنانهم.