منذ 17 تشرين الاول 2019، كثير من المواطنين اللبنانيين الذين لا يأبهون لعالم السياسة ولا يبالون به وبعد مرور أسابيع قليلة على بدء الحراك، عادوا وتساءلوا هل أن انطلاقة هذا الحراك كانت من أجل الفوز بالمطالب المعيشية بالدرجة الأولى أم من أجل نزع سلاح حزب الله؟
لا غبار على أن فساد الساسة اللبنانيين أدى إلى سقوط المواطن اللبناني في آتون الفقر المدقع والعوز الشديد والجوع الكافر.
لكن من يولي الاهتمام للشأن السياسي من الذين شاركوا في يوميات الحراك منذ انطلاقته سواءً أكانوا من القياديين والمناصرين لبعض أحزابه أو من قياديي ومناصري منظمات المجتمع المدني يعرفون تمام المعرفة أنه بتاريخ 4 حزيران 2017، كان الرئيس الاميركي دونالد ترامب قد أشار في خطاب له من على منبر القمة الاميركية الاسلامية بأن أمركيا ستعمل مع حلفائها على مواجهة المنظمات الارهابية وعلى رأسها حزب الله المصنف أميركياً بالارهابي، وكان مصدر أميركي مقرب من ترامب قد أشار حينها إلى أن الغاية من العقوبات التي ستفرض على الحزب هي اضعاف مؤسساته للوصول في المدى البعيد إلى نزع سلاحه لأن الرئيس ترامب مقتنع كل الاقتناع بأن العقوبات تشكل البديل الأوحد عن الحرب مع حزب الله لأن الحزب اليوم هو أقوى بكثير من الناحية العسكرية عما كان عليه في العام 2006.
والجدير ذكره ما قاله فريديريك هوف الدبلوماسي الأميركي الأسبق وواضع خطة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة في مقال له حمل عنوان نزع سلاح حزب الله من خلال الثورة اللبنانية على موقع أتلانتيك كونتسيك، وملخص ما قاله بأن رجل ايران الأول في لبنان أمين عام حزب الله حسن نصرالله كان المدافع الأول عن هذه الطبقة اللبنانية السياسية الفاسدة الاقطاعية بدليل أنه ارسل رجاله لقمع الاحتجاجات اللبنانية عندما شعر بامكانية أن تكون تلك الاحتجاجات قادرة على نزع سلاحه، وينهي هوف كلامه بالقول ينبغي على واشنطن أن توضح دعمها لثورة لبنان الشعبية التي يقودها الشباب وينبغي استعادة المساعدة الامنية للمؤسسة الوطنية الوحيدة في لبنان الجيش وعليه يجب على واشنطن دعم المبادرات غير الطائفية لتكون بعهدة المجتمع المدني بهدف الانتهاء من ظاهرة حزب الله.
وأشير إلى أن موقع jns الاسرائيلي كان قد نقل عن ماتيو ليفيت مدير برنامج ستاين لمكافحة الارهاب والاستخبارات في معهد واشنطن أن مكانة حزب الله القوية في لبنان تؤكد مدى اعطائه الأولوية لمصالحه ومصالح ايران على حساب مصلحة الاقتصاد اللبناني، وبما أن حكومة دياب الجديدة حسب ليفيت ليست حكومة تكنوقراط بل حكومة اللون الواحد ولا تضم أحزاباً سياسية لبنانية موالية لسياسات الغرب فإن تلك الحكومة لن تستطيع الفوز بمساعدات دولية تخفف من الأزمة المالية الحادة التي تعصف بلبنان وشعبه.
وهنا سؤال يطرح نفسه على بساط البحث، ليس دفاعاً عن حزب الله لكن لو كانت المقاومة الوطنية اليسارية والقومية لا تزال منتشرةً على الحدود مع فلسطين المحتلة مكان حزب الله ألم تكن واشنطن قد صنفتها بالارهابية؟
بالطبع نعم، فوديع حداد صنّف بالارهابي، كذلك الأمر بالنسبة لجورج حبش وجورج ابراهيم عبدالله وأحمد سعدات وسهى بشارة والقادة الفلسطينيون الثلاثة كمال ناصر وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار الذين اغتيلوا في 10 نيسان 1973 في منطقة فردان في قلب العاصمة بيروت بواسطة عملية كومندوس اسرائيلية أسمتها تل أبيب بعملية هيبي، وقد نفذ العملية آنذاك امنون شاحاك ورئيس وزراء اسرائيل في ما بعد أيهود باراك.
وهناك جيوش نظامية صنفتها أميركا بالارهابية كالجيش الكوري الشمالي، فقط لأنه يمتلك برنامجاً نووياً ضخماً، وبالمناسبة وفرضاً لو أنشأ الجيش الوطني اللبناني لواءً للمقاومة داخل صفوفه فإن واشنطن سترفض الأمر كلياً لأن ذلك يزعج ابنتها المدللة اسرائيل. فضلاً عن أنها المولجة بتسليح جيشنا.
لقد بات جلياً أن كل من يقاوم المشروع الأميركي الساعي إلى السيطرة الأحادية على كل مقدرات وثروات المستديرة جمعاء وبنوع خاص على النفط والغاز يصنف بالارهابي، فالمقاومة في القاموس الأميركي محرّمة وممنوعة.
لقد قال برنارد لويس أحد تلامذة هنري كيسنجر «العرب قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم، وإذا تركوا لأنفسهم سوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية ارهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، لذا فإن الحل السليم معهم هو اعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية». لكن هذا الوصف للعرب من قبل لويس لم يكن سوى أحد أهم الذرائع لغزو بلاد الرافدين العراق ونهب نفطه، وحينها قال جورج بوش لأحد ضباطه، سنجتاح العراق لجلب نفط شيوخ العرب إلى شيوخ الكونغرس. أما نفط فنزويلا فمالكوه ليسوا عرباً ورغم ذلك ما زالت أميركا تتوق للسيطرة على نفط قريب منها جغرافياً.
أيضاً وأيضاً فإن القيمين على بحر الصين الجنوبي ليسوا عرباً وأميركا ما زالت راغبة وتواقة للسيطرة على موارده، إذ إنه يحتوي على سبعة مليارات برميل نفط كاحتياط مؤكد وعلى نحو 900 ترليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. إذاً وفي المحصلة النهائية يتبين أن القضية ليست قضية صدام أديان وحضارات إنما قضية نهب موارد ومقدرات.
وبالمناسبة إن شعور واشنطن بالعظمة والنرجسية ليس وليد يومنا هذا لأن هذا الشعور مستوحىً من النبوءات التوراتية التوسعية. فلويس لافام أحد جهابذة البيوريتانيون وهم أصحاب حركة اصلاحية بروتستانتية يقول بان الله اختار أميركا لتشييد الجنة الأرضية، وبأن أميركا هي الأمل الأخير للبشرية وهي سفينة الامان وناشرة الحضارة، والشر ليس جزءاً من جسدها، انما هو سلعة قاتلة مستوردة من الخارج ومرض اجنبي يتم تسويقه عن طريق الجمارك عبر فلسفة المانيا أو رز آسيوي.
إن كلام لافام هذا سرعان ما دفع الرئيس نيكسون إلى القول ذات يوم إن الله يحب أميركا لأن الله مع أميركا، وهذا ما جعل أيضاً الملياردير والقطب الاعلامي الشهير هنري لويس يقول في شباط 1948 بأن أميركا تعتبر مركزاً لتدريب خدام الجنس البشري المهرة وهي محطة توليد المثل العليا في الحرية والعدالة، اما أطروحة العظمة الاميركية فقد ظهرت بقوة شديدة عقب كارثة 11 أيلول 2001 تحت عنوان أميركا هي العالم والعالم هو أميركا.
وفي الختام، أعود إلى الوضع الاقتصادي اللبناني لأشير إلى أن موقع ايكو نيوز قال بتاريخ 10 آذار 2020 نقلاً عن صحيفة الانباء الكويتية بأن القرار الذي اتخذته حكومة الرئيس حسان دياب بتعليق سداد استحقاقات اليوروبوند ليس عبارة عن قرار مالي وانما يعبر عن أبعاد سياسية.
ويشير الموقع إلى أنه بعد تاريخ 7 آذار 2020 بات لبنان قابعاً في نادي الدول المتخلفة عن سداد ديونها والعاجزة عن الايفاء بالتزاماتها المالية وهذه السياسة ستضع لبنان في عزلة اقتصادية وحجر مالي وسوف تفشل الحكومة في برمجة وجدولة الدين في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المتفجرة في لبنان والمنطقة برمتها.
وفي المقابل، يبدو أن الرئيس دياب ليس متشائماً حيال الخطة التي وضعتها الحكومة للانقاذ، لكن وبحسب ما كشفه خبراء اقتصاديون لموقع السياسة بتاريخ 10/3/2020 يأتي خيار عدم السداد في اطار خطة لاعادة هيكلة الدين كله والذي يبلغ أكثر من 86 مليار دولار، وهذه الخطة ستتمحور بحسب الخبراء حول تخفيض العجز والهدر وضرورة استعادة الاموال المنهوبة والاموال التي تحولت من المصارف إلى الخارج.
أما الطامة الكبرى فتكمن في حال فشل المفاوضات، لأن للدائنين كامل الحق باللجوء إلى مقاضاة المصرف المركزي، اضافةً إلى أن احتياط لبنان من الذهب سيصبح الهدف الأول لهم، كما يرى الخبراء أن خفض المؤسسات الدولية لتصنيف لبنان السيادي، اذا وصل إلى درجة c يعني أن لبنان تعثر، أما إذا وصل التصنيف إلى درجة d وفي حال لم تنجح المفاوضات فإن الافلاس يصبح أمراً حتمياً، من هنا فإن السؤال المطروح هل ستستطيع حكومة الرئيس دياب انقاذ لبنان من الافلاس؟