لم يكن اللبنانيون بانتظار «الكورونا» ليدركوا من جديد أنهم سبّاقون لدولتهم بأشواط في التصدّي لمشاكلهم اليومية، المزمنة منها والطارئة، وللأزمات التي تداهمهم على حين غرة، مثل فيروس الكورونا الخبيث.
بعد أسابيع من بدأ ظهور الإصابات المؤكدة في لبنان، وقبل حصول الزيادات المطردة في عدد المصابين يومياً، كثرت الدعوات من القطاعات المدنية، وفي مقدمتها الإعلامية لإعلان حالة طوارئ صحيّة، ووقف الرحلات الجوية من وإلى البلدان الموبوءة، وعدم الاكتفاء بمستشفى رفيق الحريري، كمركز وحيد للحجر الاحتياطي ومعالجة الحالات المؤكدة، على اعتبار أن طاقته محدودة، ولا بد من الاستعانة بمستشفيات حكومية وخاصة للأيام المقبلة، لاستيعاب الارتفاعات المتوقعة في عدد الإصابات المؤكدة.
ولكن كل تلك الدعوات ذهبت أدراج المزايدات السياسية من جهة، وضحية سياسات العناد والمكابرة من جهة ثانية، وبقيت الاستعدادات الخجولة تراوح مكانها، فيما قلق اللبنانيين وهواجسهم يكبر يوماً بعد يوم، مع ازدياد عدد المصابين العلنيين، في ظل غياب الرقابة الفعّالة، والإحصاءات الجدّية حول العدد الحقيقي من الإصابات في لبنان.
على طريقة أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، التأم مجلس الدفاع الأعلى، ووجّه رئيس الجمهورية كلمة إلى اللبنانيين، وعقد مجلس الوزراء اجتماعاً استثنائياً، وخاطب رئيس مجلس الوزراء المواطنين، وصدرت قرارات التعبئة العامة وتعطيل المؤسسات العامة والخاصة، ووقف الرحلات الجوية والبرية والبحرية، والطلب إلى المستشفيات الخاصة الاستعداد لإجراء فحوصات للحالات المُشتبه بها، واستقبال المرضى المصابين بحالات مؤكدة.
غير أن الاستعدادات الطبية والاستشفائية لوحدها لا تكفي، رغم ما رافقها من دعوات الرئيسين ميشال عون وحسان دياب للتضامن والتعاون بين الجميع، إذا لم تقترن بأجواء تهدئة سياسية، تُبرّد أجواء التوتر السائدة في البلد على إيقاع الأزمات السياسية والمالية المستفحلة، وإذا لم يبادر أهل السلطة إلى استيعاب الأطراف المعارضة للعهد والحكومة، والأخذ بعين الاعتبار مطالب الحراك الوطني في الإصلاح ومحاربة الفساد، والانصراف الى معالجة الملفات الحيوية والأساسية، كقضية الكهرباء مثلاً، وكل ذلك لإعطاء دعوة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للتضامن، والابتعاد عن المزايدات السياسية، وعدم الاستثمار في أزمة الكورونا، بعداً وطنياً وعملياً، يؤكّد على تخلّي السلطة عن السياسات الكيدية ضد معارضيها، والعودة الى الاحتكام للدستور في إدارة شؤون الدولة وشجونها في هذه المرحلة الصعبة، وذلك بما يؤدي إلى فتح صفحة جديدة في تعاون القوى السياسية لإخراج البلد من النفق المظلم الذي يتخبّط فيه منذ أشهر.
كل الدول تلجأ إلى طيّ خلافاتها، وتعزيز جبهتها الداخلية، في زمن المحن، حتى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعا لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بعد عجز بضعة أشهر عن تشكيل حكومة جديدة في تل أبيب، نتيجة الانقسامات العامودية بين القوى السياسية الرئيسية بعد ثلاث جولات انتخابية متتالية.
فهل فريق العهد قادر على طيّ خلافاته السياسية والحزبية والمناطقية مع القوى الأخرى، والعودة إلى لغة التعاون والتضامن لتمرير هذه المرحلة الصعبة والمعقدة من تاريخ البلد.
لبنان بحاجة إلى «هدنة كورونا» تُتيح فرصة العمل الجدي، وتعزز فرص المعالجات المالية والاقتصادية، وتُطلق ورشة الإصلاح بفعالية بعيداً عن المصالح الفئوية والغرضية الحزبية، وتستعيد بعض الثقة المفقودة بالحكم والدولة، في الداخل كما في الخارج!
قرارات الحكومة خفض مستوى الحركة في الشارع، إلى ما يشبه حظر التجوّل، يجب أن تترافق مع خفض نسبة التوتر في الحركة السياسية، والتركيز على فرص الإنقاذ والإصلاح، قبل فوات الأوان!