من يتابع أخبار “كورونا” في دول العالم ومنها لبنان، يستعيد مشاهد سنوات من القتل والتعذيب ودفن مجموعة من البشر في مقابر جماعية، وكان حينها المجتمع الدولي “لا حس ولا خبر”… كان ولا يزال مجرّد آلة تطبع بيانات “الاستنكار والقلق”.
ففي مثل هذا الشهر، ومنذ 9 سنوات كان السوريون يواجهون نظاماً قمعياً. وبعد أيام من انطلاق الثورة بدأ النظام يستخدم سياسة القتل في ردع المعارضين. انهالت علينا فيديوات مخيفة، كانت كافية ولمدة أشهر أن تدفع العالم إلى الاستيقاظ: “هناك بشر يتألمون!”، لكن “لا حياة لمن تنادي…”. وباتت وسائل الاعلام تنقل خبر مقتل “130، 200، 279 سورياً” بشكل يومي بالبراميل المتفجرة والتعذيب والتنكيل، وكأنها اصبحت أحداثاً طبيعية، إلى أن وصل النظام إلى حد استخدام السلاح الكيميائي وتتويج عملياته الدموية بقتل أكثر من ألف سوري دفعة واحدة. حالات اختناق، اطفال تحولوا إلى اشلاء بشرية، لا دواء ومستشفيات ميدانية لا قدرة لديها على المعالجة، ركام، غبار، هلع وخوف… استيقظ العالم قليلاً، تأملنا في معاقبة الفاعل، لكن اتضح ان هناك من يبيع الدماء السورية لمصالح اقليمية وعالمية، فارتاح النظام وحلفاؤه واستكمل سيناريو الدم. وبدأ الفيروس يصنع اوبئة اخرى كـ”داعش” واخواتها.
9 سنوات مرت على انطلاق الثورة وتحوّلها إلى حرب ظالمة بحق البشر والحجر، والعالم لم يتحرك بل يبحث عن تسوية هنا واتفاق هناك. وثّق المرصد السوري مقتل 384 ألف شخص على الأقل منذ 15 آذار 2011 حتى صباح السبت الماضي بينهم أكثر من 116 ألف مدني. وبين القتلى المدنيين أكثر من 22 ألف طفل و13 ألف امرأة. سنوات من القتال أدت إلى نزوح نحو 6.6 ملايين سوري في الداخل السوري ولجوء نحو 5.6 ملايين سوري إلى أصقاع العالم (وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين). كما قدّرت الأمم المتحدة كلفة الدمار بنحو 400 مليار دولار.
كان السوري يعيش حالة خوف دائمة. يضع رأسه على مخدته وفي ذهنه أنه لن يستيقظ في اليوم التالي، فلا أحد يعلم متى يسقط البرميل المتفجر عليه ويضعه وعائلته تحت الركام وفي ذاكرة محبيه. حالة من الهلع اصابت السوريين دفعتهم إلى الهرب من الموت.
هو الموت نفسه يحاول العالم اليوم ان يواجهه. فأحدث احصائيات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن «كورونا» بات منتشراً في 158 بلدا في العالم. وبلغ عدد المصابين به نحو 170 ألفاً، بينما تجاوز عدد المتوفين بسببه 6000 (3.7% من إجمالي الإصابات). وتشير إحصائية رسمية إلى أن عدد من تم شفاؤهم من المرض نحو 76 ألفاً، أي قرابة 47%.
فهل بات مقتل البشر بالصواريخ والبراميل حلالاً ومقتلهم بـ”كورونا” حراماً؟ ماذا فعلت دول العالم لتنقذ البشرية في سوريا؟ الحقيقة أن مقابل حالات الوفاة جراء “كورونا” هناك حالات شفاء ولا بد من نهاية للفيروس، ومقابل مقتل كل سوري هناك طفل معارض ولد ليبدأ ثورة جديدة ولا بد من نهاية للنظام…