Site icon IMLebanon

«وَالأَمْــرُ إِلَـيِـكَ تُـدَبِّـرُهُ»

 

هذا العالم المتوحش اللاأخلاقي «المتجبّر المتكبّر» يحتاج هذه الصفعة علّها تعيده إلى حجمه الطبيعي فيشعر بتضاؤله وصغره أمام قدرة الله، مجرّد جرثومة تكاد تعيد الناس قروناً إلى الوراء من دون حروب ولا حصارات ولا طائرات ولا صواريخ، يأخذ كلّ بلد على عاتقه محاصرة نفسه، ومن يدري قد تجد الدّول التي تدّعي أنّها متحضرة وأن حقوق الإنسان على رأس أولوياتها تتصرف من دون أدنى مشاعر تجاه شعوبها فتضطر للمفاضلة بين مواطن تعالجه ومواطن آخر تتركه يموت!

 

بسرعة مطردة تزداد الأرقام، تتحوّل إلى شبح مخيف، وإذا كنّا في لبنان نشكو من الفساد الذي نخر جسد الدولة ونهب أموال الرعاية الصحية وإنسانيّة كريمة للمستشفيات الحكومية، فإذا بالاستشفاء الوطني في أوروبا وغيرها من مناطق العالم تكشف أنّ حالهم ليس بأفضل من حالنا، إلى حدّ يدفعنا للتساؤل: ماذا لو اندلعت حرب عالميّة؟ أي إمكانيّات وجهوزيّة كان بمقدور هذه الدول أن تؤمّن لشعوبها الحماية عبرها؟! على الأقلّ نملك في لبنان مَلَكة وموهبة التصرف في الأزمات «مستغنيين» عن الدولة، «بلاها وبلا عازتها»، حتى مهمّة إعلان حالة طوارىء وطنيّة قد سبق الإعلام والشعب الحكومة إليهما، فاضطرت صاغرة أن تلحق بهما على اعتبار أنّها كانت تنتظر الإذن والسماح من «وليّها المرشد»، لم ينتظر اللبنانيون هذه المهزلة، تصرّفوا بمعزل عن الجبن الذي تغرق فيه الدولة، ثمّ تفاجئنا بأنّ دول العالم مبهورة بإجراءاتها في مواجهة تفشّي وباء الكورونا، وهنا علينا الإعتراف بأن البلد عالقٌ في نفق مسدود لا منفذ له وأنّ الحصار والخناق يضيق على اللبنانيين،وهو ذاهب إلى الضيق الأكبر، فماذا بعد؟!

 

يظلّنا شهر رجب المُفرد، وتحلّ علينا بعد أيام قليلة ذكرى الإسراء والمعراج وهي من المعجزات الكبرى لنبيّنا الأكرم صلوات الله عليه، وجاء الإسراء والمعراج في لحظة معاناة كبرى في حياة النبي إنسانياً ونبويّاً، حتى أسمي ذاك العام بـ «عام الحزن»، فقد عمّه أبو طالب حاميه من قريش وكفّارها، وفقد أوّل المؤمنين به ومن واساته بمالها ونفسها وصدّقت رسالته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد، وتعرّض لأذى شديد وهو يدعو «ثقيف» في مدينة الطائف فكان ذاك الدّعاء الشّهير «إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي ولكنّ عافيتك هي أوسع لي»..

 

يحتاج العالم بمسيحيّيه ومسلميه وليس فقط اللبنانيين بعدما أقفلت في وجه البشر صروحهم المقدّسة وحرموا نعمة الصلاة وطمأنينتها في المساجد والكنائس، نحتاج جميعاً إلى رفع الصلوات والدّعوات معاً هذه ليرفع الله عنّا هذا البلاء العظيم إذ «ليس لها من الله كاشفة»، وكلّما قلّبتُ أوراقي لا أجد على صفحة قلبي وبين يديّ سوى «القصيدة المنفرجة» المنسوبة للإمام أبي حامد الغزالي علّها تخفّف عن هذا العالم ما نزل به من البلاء  العظيم:

 

«الـشِّـدَّةُ أَوْدَتِ بِالْـمُـهَـجِ / يَـا رَبِّ فَعَجِّـلْ بِالْـفَـرَجِ/وَالأَنْفُسُ أَضْحَتْ فِي حَـرَجٍ/ وَبِيَـدِكَ تَفْرِيـجُ الْـحَـرَجِ /هاجَـتْ لِدُعَـاكَ خَوَاطِرُنَـا / وَالْوَيْلُ لَهَـا إِنْ لَـمْ تَهِـجِ/ يَا مَنْ عَوَّدَتَ اللُّطْـفَ أَعِـدْ/ عَادَاتُـكَ بِاللّطْـفِ الْبَـهِـجِ/وَاغْلِقْ ذَا الضِّيـقِ وَشِدَّتـه/ وَافْتَحْ مَا سُـدَّ مِـنَ الْفُـرُجِ/عِجْنَـا لِجَنَابِـكَ نَقْـصِـدُهُ/ وَالأَنْفُسُ فِـي أَوْجِ الْوَهَـجِ/وَالِـى أَفْضَالَـكَ يَـا أَملِـى/ يَـا ضَيْعَتَنَـا إِنْ لَـمْ نَعِـجِ/مَنْ لِلْمَلْهُوفِ سِـوَاكَ يَغـثْ/ أَوْ لِلْمُضْطَـرِّ سِـوَاكَ نَجِـي/وَإِسَاءَتُنَـا لَــنْ تَقْطَعَـنَـا/عَنْ بَابِـكَ حَتَّـى لَـمْ نَلِـجِ/ يَـا سِيِّدَنَـا يَـا خَالِقِـنَـا / قَدْ ضَاقَ الْحَبْلُ عَلَى الْـوَدَجِ/وَعِبَادُكَ أَضْحَـوا فِـي أَلَـمٍ/ مَا بَيْـنَ مُكَيْـربٍ وَشَجـى/وَالأزْمَــةُ زَادَتْ شِدَّتُـهَـا/ يَـا أَزْمَـةٌ علَّـك تَنْـفَـرجِ/جِئْنَـاكَ بَقَـلْـبٍ مُنْكَـسِـر/وَلِسَـانٍ بِالشَّكْـوَى لَـهـجِ/وَبِعَيْنِـكَ مَـا تَلْقَـاهُ وَمَـا/ فِيهِ الأَحْوَالُ مِـنَ الْمزجِـى/ فَبِكُـلِّ نَبِـيٍّ نَـسْـأَلُ يَــا/رَبَّ الأَرْبَـاب وَكُـلِّ نَجِ / وَبِفَضْـلِ الذِّكْـرِ وَحِكْمَتِـهِ/ وَبِمَا قَدْ أَوْضَحَ مِـنْ نَهَـجِ/وَبِسِـرِّ الأَحْـرُفِ إِذْ وَرَدَتْ/بِضِيَـاءِ النُّـورِ الْمنْبَـلِـجِ/وَبِسِـرِّ الْبَـاءِ وَنُقْطَتِـهَـا/مِنْ بِسْـمِ اللهِ لِـذِى النَّهَـجِ/ وَبِقَـافِ الْقَهْـرِ وَقُوَّتِـهَـا/وَبِقَهْـرِ الْقَاهِـرِ لِلْمُـهَـجِ/يَا قَاهِرَ يَـا ذِي الشـدَّة يَـا / ذِي الْبَطْشِ أَغِثْ يَا ذَا الْحُجَجِ / يَـا رَبِّ ظَلَمْـنَـا أَنْفُسَـنَـا / وَمُصِيبَتُنَا مِـنْ حَيْـثُ نَـجِ/ يَا رَبِّ خُلِقْنَـا مِـنْ عَجِـلٍ/فَلِهَـذَا نَـدْعُـوا بِاللُّـجَـجِ/ يَـا رَبِّ وَلَيْـسَ لَنَـا جَلَـدٌ/أنَّى وَالْقَلْـبُ عَلَـى وَهَـجِ/يَا رَبِّ عَبِيـدُكَ قَـدْ وَفَـدُوا/يَدْعُـوكَ بِقَلْـبٍ مُنْـزَعِـجٍ/يَا رَبِّ ضِعَافٌ لَيْـسَ لَهُـمْ/أَحَد يَرْجُونَ لـدى الهَـرْجِ/ يَا رَبِّ فُصَّاحُ الأَلْسُـنِ قَـدْ/أضْحُوا فِي الشِّدَّة كَالْهَمَـجِ/السَّابِـقُ مِنَّـا صَــارَ إِذَا/ يَعْـدُوا يَسْبِقُـهُ ذُو الْعَـرَجِ/ وَحِكْمَـةُ رَبِّــي بَالِـغَـةٌ /جَلَّتْ عَنْ حَيْـفٍ أَوْ عـوجِ/ وَالأَمْــرُ إِلَـيِـكَ تُـدَبِّـرُهُ / فَأَغِثْنَـا بِاللُّطـفِ الْبَهِـجِ».

 

يا ربّنا استجب..يا أرحم الرّاحمين.. يا خير الغافرين…