أخيراً أُعلِنت “التعبئة العامة” في لبنان، لمواجهة فيروس “كورونا” ومكافحته. حافظ إعلانها على التراتبية مع إحترام دقيق لميزان أفعل بالتأكيد من ميزان حرارة الفحص الكوروني للقادمين إلى البلاد براً وجواً. وسلكت هذه “التعبئة العامة” طريقها بالتدريج الممل. بدأها الجنرال الأعلى بعموميات مثالية لم نشهد منها شيئاً على أرض الواقع، لكننا لا ننكر توصيفها بـ”المقاومة” مع كل البهاء والهالة الإلهية.
تلاه “جنرال سري” غير معلن، وعد بـ”لبن العصفور” لمواجهة الوباء، متجنباً الكشف عن رتبته بانتظار أن تنضج الظروف الآتية بلا ريب، والتي يتحضر لها ليل نهار.
وبعد “المقاومة” و”لبن العصفور”، بديهيٌ خروج الخطاب الرعوي من الجنرال الحائز على اللقب الرسمي، ومن ثم المساعد الأول الذي يسعى الى اكتساب صفة جنرال، ويحافظ على الإيقاع والطباق والجناس في خطابه المقفى، ويبحث بالحيلة والفتيلة عن أنجمٍ في زوايا الاحداث ليغنمها ويعلقها على كتفيه.
حلو النظام، لا سيما عندما يحرص على البروتوكول، لا يحيد عنه قيد أنملة. وعندما يدجّج بنوده بالاستناد الى مواد الدستور، وفاءً لمبدأ الالتزام بالسيناريو المطلوب في مثل هذه المحنة التي يجب الاستثمار فيها الى أقصى الحدود، حتى لو بدا أشبه بسيناريوات الأفلام الهزلية عن شخصيات ديكتاتورية سجلها التاريخ بكل الرعب الذي تسببت به. ولأنها “التعبئة العامة” على الطريقة اللبنانية، كانت الكلمات الكبيرة، المتناسلة من خطاب الجنرال الأعلى. وكانت مستنسخة الدعوة الى وحدة المواطنين والتضامن الإنساني والإجتماعي بوجدانية “يقشعرّ” لها البدن، تدعو الى الإبتعاد عن الاستهدافات السياسية، وإسقاط الاعتبارات الضيقة المرتبطة بها، والتعالي عن تسجيل النقاط وتبادل الاتهامات، والتعفف عن الأساليب المفضوحة للإستثمار السياسي، وإدعاء القفز على الموالاة والمعارضة، شرط قمع أي معارضة للجنرالات الأعزاء ولوسائلهم البدائية سواء في مكافحة الفيروس، التي لا تختلف عن اعتدائهم على التعيينات القضائية بغية تلغيمها بالمحسوبين عليهم للامساك أكثر فأكثر بقضاء اللبنانيين وقدرهم.
لحظة!! ممنوع الكلام هذه الأيام عن أي قضية باستثناء الخطر الأكبر، واتركوا للجنرالات أن يهرِّبوا، في خضم هذا البلاء الناتج عن الوباء، كل ما يبيِّتون من قرارات وإجراءات تتعلق بإقتصادنا.
ولا يهم جوع المواطن وبطالته وضياعه حيال الإجراءات المتأخرة لمواجهة انتشار الفيروس. ليس عليه أن يسائل الدولة. يكفيه ان يخرج من جهله ويتسلح بالوعي واتخاذ الاحتياطات اللازمة.
وحتى يروِّح عن نفسه يمكنه أن “يشنف آذانه” بسرد لوائح طويلة من الإنجازات المجيدة، وبـ”طرق مبتكرة وجديدة وبسرعة نموذجية، أصبحت محط تقدير من قبل مرجعيات دولية”، ويصدِّق عليها، ويتجاهل هذا التهافت على احتكار العمل لمواجهة الفيروس، حتى لا يحظى بأي مجد الغريم الموجود دائما في متن الخطابات الجنرالية من دون تسميات مباشرة. ولا يهم إن بقيت الإنجازات طبخة بحص. كذلك لا يهم التذاكي المفضوح للتحايل على عبارة “حال الطوارئ” تجنباً للبعبع الذي قد يسلب الجنرالات أمجادهم. فقد يبرز من هنا وهناك جنرالات صغار يتدربون في الوقت الضائع، لعل وعسى.