IMLebanon

“كورونا” يُدخل البلد في “الحجر” الإقتصادي

 

القطاع الخاص يتلقّى الضربات والدولة تعدّها

بعد إقفاله عدة أقسام من مؤسسته الترفيهية في منطقة الشوف بسبب الأزمة الإقتصادية، واقتصار الموجود على طاولة “بلياردو” و5 أجهزة “بلاي ستايشن”، اضطر ربيع ان يقفل كلياً بسبب “الكورونا”. أسفه ليس على توقّف العمل إنما على خسارته المورد المالي الوحيد الذي يؤمن له قوت يومه ومتطلبات عائلته الصغيرة المؤلفة من ثلاثة أفراد.

مئات المصالح والأعمال توقفت بشكل كلّي مع إعلان حالة التعبئة العامة وانتشار الدعوات الى ضرورة ملازمة المواطنين منازلهم وعدم الخروج منها إلا لأسباب طارئة وملحة.

 

بعض المؤسسات الاعلامية، الخدماتية والتجارية استطاعت تأمين حلول بديلة من خلال توفير امكانية العمل من المنزل. لكن ماذا عن بقية الحرف والمصالح التي تبدأ بالمهن الحرة في قطاع البناء وتمر بالمطاعم والمتاجر والمقاهي والنقل والتوزيع وصولاً حتى الى المصانع الكبيرة التي لا تتوقف وتعمل على مدار الـ 24 ساعة. “إنها كارثة حقيقية، ستقضي على كل الاعمال التي استطاعت الصمود وتحمّل الصدمة الاولى من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلد منذ تشرين الاول الماضي”، يجيب أحد الصناعيين.

 

الخسائر لا تقدّر

 

وضاح صادق أحد مؤسسي حملة “أنا خط أحمر” للدفاع عن حقوق الشركات وعمالها، قال إنه “في حال استمرار كورونا الى نهاية شهر نيسان فان 50 في المئة من القطاع الخاص في لبنان سيقفل كلياً”. وبرأيه فان “معاناة الاقتصاد بدأت منذ الربع الأخير من السنة الماضية وهي مستمرة لغاية الساعة قبل انتشار الفيروس. فتلك الفترة حملت إجراءات قاسية جداً على الشركات وعمالها وأجبرت قسماً كبيراً من المؤسسات على الإقفال، فيما عمد من استطاع الاستمرار الى تخفيضات في الرواتب والأجور للمستخدمين وإجبارهم على أخذ إجازات غير مدفوعة”. المشكلة اليوم بحسب صادق تتمحور أولاً حول “الجهل التام للمدة الزمنية التي يتطلبها التعافي من الفيروس وثانياً، عدم وجود قدرة حقيقية على تقدير الخسائر الناتجة عن تعطل آلاف المصالح، وتحديداً في ما يتعلق بقطاع المطاعم والفنادق وتأجير السيارات وغيرها”.

 

صعوبة تقدير الخسائر على المستوى الميكرو اقتصادي يقابلها تقدير عام عن الكلفة التي يتحملها الإقتصاد الكلي جراء حالة الإقفال وتعطيل الأعمال التي يفرضها وباء كورونا. وبحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين فان “الخسائر اليومية تقدر بنحو 110 ملايين دولار، اذا اعتبرنا ان الإقتصاد يعمل اليوم بربع طاقته الانتاجية المقدرة بحدود 56 مليار دولار سنوياً”.

 

هذه الكلفة التي قد تتجاوز الملياري دولار لغاية نهاية نيسان ترتبط بحسب شمس الدين بعاملين اثنين: مدى الإلتزام بالإقفال والفترة التي من الممكن ان يستمر بها الفيروس.

 

تعطّل الشحن

 

حالة الإقفال التام للمنافذ الجوية، البرية والبحرية التي ستبدأ اعتباراً من مساء اليوم ستنعكس بشكل كبير على شركات الشحن الجوي Cargo. فعلى الرغم من ان إجراءات المنع استثنت طائرات الشحن من ضمن فئات عدة أبرزها قوة اليونيفيل والبعثات الدبلوماسية المعتمدة والمنظمات الدولية، إلا انه بحسب رئيس تجمع شركات النقل السريع في لبنان، مراد عون فان “قلة من شركات الشحن تملك طائرات خاصة وأن معظم الشحنات من وإلى لبنان تتم عبر الطيران التجاري. وبالتالي فان توقف طيران نقل الركاب سيؤثر بشكل كبير على شركات الشحن العاملة في لبنان، خصوصا اذا لم يترافق هذا الوضع مع تغيير جوهري في سياسة شركات الطيران”. عون تمنى ان “لا تكون مواجهة كورونا بالإقفال التام، حيث يعتمد عمل شركات الشحن على عناصر الجمارك والعمال في المرافئ. والعمل على عدم تعطيل تخليص البضائع وتسهيل عملية دخولها وخروجها بشكل تام”.

 

عجز الدولة

 

تشير الإحصاءات على المستوى العالمي الى ان الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية والدول العربية مثل قطر، السعودية والامارات العربية المتحدة وغيرها قد خصصت مبالغ كبيرة تقدّر بمليارات الدولارات لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية الناتجة عن الفيروس، فيما عمد الكثير من الدول أيضاً الى اعطاء حوافز للمؤسسات والشركات وإعفاءات من دفع الضرائب والرسوم والإيجارات. فهل من الممكن ان نشهد مثل هذه الإجراءات في لبنان؟

 

رئيسة المجلس اللبناني للسيدات القياديات مديحة رسلان التي تعمل على ورقة تتضمن بشكل أساسي إعفاءات ومسامحات للشركات التجارية، أشارت الى ان “كل المطالب تصطدم بعجز الدولة التي “بالكاد تقوم بحالها”. الا ان هذا لا يعني ان نقف مكتوفي اليدين. فـ”الدولة باستطاعتها مساعدة القطاع الخاص من خلال اعفاءات ضريبية في “المالية” والمسامحة من تسديد اشتراكات “الضمان” وتمديد فترة دفع المستحقات للدولة”. رسلان رأت أيضا ان “النقابات والجمعيات والهيئات الاقتصادية مطالبة بلعب دور مساعد ايضاً، واعطاء الحوافز للشركات وتشجيع الملاكين على مسامحة المستاجرين من أصحاب المؤسسات المتوقفة من بدلات إيجار أشهر الأزمة”. فالمشكلة لن تظهر اليوم انما بعد شهرين أو ثلاثة عندما تنتهي هجمة الفيروس وتبدأ الاستحقاقات بالظهور”. الخطوة الأولى لمواجهة كورونا “صحياً” اتخذت لغاية 29 آذار، لكن ماذا عن الخطوة الثانية في حال استمرار الوباء بالانتشار؟ وما هي اجراءات الحماية الاقتصادية التي ستتخذ في ظل أسوأ أزمة مالية نقدية يشهدها البلد؟ فهل يستمر التعنّت بعدم طلب مساعدة صندوق النقد الدولي وإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد؟ أم تٌعقلن الحلول وتكون مرحلة الركود حافزاً لإطلاق عجلة النهوض؟