كورونا… مالئ الدنيا، وشاغل الناس، ذلك الفيروس العجيب الخارج عن كل القواعد الطبية والصحية المعروفة، فهو حتى الآن داء لا دواء له ولا أصل ولا فصل محدّد يوصل إلى علاجه. هو فيروس «إبن حرام»، أجبر الحكومات والشعوب كلها على لملمة كلّ طاقاتها العلمية والتقنية والبحثية، والإنكباب على السعي إلى الإمساك بخناقه قبل أن يتمكن من خنق الناس.
هو داء لا علاج لآثاره ومخاطره حتى الآن، إلاّ بالعزل الجماعي، والانكفاء عن كل نشاط وحركة وتجمع وتحرك إلاّ في البيوت حيث حوّلها كورونا إلى ملاجئ صغيرة الحجم، قليلة الاحتواء، مقتصرة في حركاتها وسكناتها على ما تتيحه لها غرفة أو أكثر في بناية أو أكثر، في حي مكتظ بالناس والكبار والصغار في منزلهم وملعبهم ومطعمهم ومدرستهم ومستشفاهم، نفوسهم ونفسياتهم في حضيض الحضيض، يحكمها الخوف والقلق من معلوم – مجهول بات يطغى على حياتهم التي تسير بهم وبعائلاتهم وأطفالهم نحو احتمالات مظلمة وقاسية الواقع والنتائج يحيطها المرض وإمكانية الاحتجاز القسري والموت الاحتمالي من كل جانب، وأخشى ما يخشاه الناس أن تمتلئ المستشفيات بهم إلى درجة لا تكفي جميع الضحايا الذين طاولهم الحظ والنصيب بأقسى احتمالاته.
يحاول الناس الغوص في بحار الأمل والرجاء والدعاء في أن يحفظهم من سوء الأحوال والطالع، وأن يعين دولهم ومجتمعاتهم واقتصاداتهم المهتزة على تحمل أعباء المواكبة والعلاج ضمن ظروف قاسية لم يحسب حسابها أحد، وخاصة في بلد كلبنان غارق في «تفليسته» المادية ومنشغل في البحث عن منافذ للإنقاذ والخلاص من براثنها المطبقة على حياته كلها، وفي محاولة الإطباق على أولئك اللصوص والزعران من أهل السلطة والنهب والسلب التي جرّت بلدا بأسره وشعبا بكل فئاته، إلى مهاوي الذلّ والمهانة، وهم شعب وإن فرقته الإنتماءات والطوائف والمذاهب، إلاّ أنه كان منذ نشأته، منبعا لخصوصيات إيجابية معطاءة، وهبته ووهبت المنطقة بأسرها ومن ثم العالم بأسره، نخبا من المثقفين وأهل العلم والمعرفة ورواد العطاء الفكري والعلمي والاقتصادي الناجح، ولم يلبث أن حلّ بينهم وأمسك بخناقهم، أخبث اللصوص والنهّابين والنصّابين، فحولوا بلادهم إلى ساحات للحرب والنزاعات واستغلوا أجواءها ونتائجها ليركبوا أمواج الخراب والدمار والإنهيار، ويستولوا على ثروات البلاد ومنابع وفرص الثروة فيها، ويهرّبوها إلى الخارج البعيد بشتى أنواع التخفي والتلوّن، وليتركوا بلادهم عظاما بلا لحم ولا قدر ولا قيمة، وليقفوا في أماكن آمنة على تلال من المال الحرام والثروة المسروقة بالنصب والاحتيال واستغلال الفرص والضحك على الذقون، ولم يكن ينقصنا، ولم يكن ينقص الشعوب كلها خاصة منها الشعوب المشابهة في ظروفها للاوضاع اللبنانية المهتزة، إلاّ «الطيب الذكر» كورونا أفندي. وقد ذكرنا كيف أنه حلّ في ربوع العالم، ضيفا ثقيل الوطء والأثر، وقد ساءنا جميعا كيف أنه حتى الآن، لبث داء بلا دواء، إلاّ أننا كبشر وكطلاب حياة وأُسر لديها أولاد وأحفاد، وحياة ممتدة بأجيال مقبلة لا نرجو لها إلاّ الإنقاذ والخلاص والحياة السليمة الكريمة، بقدر ما تتجه عيوننا إلى الآلام والمواجع والتحديات السلبية والواقع المرعب، بقدر ما يحدونا الأمل ويلفتنا أخبار السعي في الاتجاهات الإنقاذية البناءة، عيوننا على الطاقات البشرية العلمية وأبحاثها القائمة في أكثر من بلد لإيجاد الدواء الشافي من هذا الكورونا المقتحم لحياة الناس وتطلعاتهم إلى واقع هادئ ومستقبل سليم معافى. جهود بتنا نسمع عن كثير من تفاصيلها وتوجهاتها ونتائجها تتم في بلاد كبرى كثيرة الجدية وواسعة العلم ومتمكنة من مسيرات الأبحاث والتجارب العلمية، منذ الآن باتت تصل إلينا تفاصيل عن جهود هائلة تُبذل في الصين والولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية، إضافة إلى كثير من النتائج الوقائية والتجريبية المتواضعة ولكن المهمة، قائمة في كثير من البلدان والأماكن، وكنا نتمنى أن يكون من بينها لبنان المشغول بمصائبه وعلله المختلفة، ولكننا على يقين أن من بين أولئك الكبار والعظماء الغاطسين في تلك التجارب والأبحاث العلمية والطبية، بعض من كبار اللبنانيين أو من أصل لبناني يؤدون دورهم ويبذلون جهدهم في محاولات إنقاذ العالم من وباء العصر المظلم، والعالم كله يأمل الكثير الكثير من كل النخبة الغاطسة في جهود الانقاذ والخلاص الجدية، وقد سرّنا جميعا خبر جاء من الولايات المتحدة أنبأنا بأن عددا كبيرا من المتطوعين قد وضعوا أنفسهم في تصرّف تجارب ستجري على أجسادهم، ليكون من نتائجها خير عميم للبشرية جمعاء والله ولي التوفيق.