Site icon IMLebanon

ضيقٌ على ضيق  

 

أصعب من ملازمة البيوت في هذه المرحلة العصيبة هذا السيلُ الذي ينهال عليك من حيث تدري، وعموماً من حيث لا تدري… فإذا أنت تغرقُ في سيول النصائح تحوّطاً للفيروس أو علاجاً له. صحيح أن معظم مُرسلي هذه «الوصفات» هم من السذّج. إلا أن بعضهم يسعى إلى التسلية، والبعض الآخر قلة نادرة من أصحاب الإلمام في الصيدلة والمختبرات.

 

إنها، فعلاً، ظاهرةٌ لافتة خصوصاً عندما يكون معظم المرسِلين هم من الذين يلازمون بيوتهم أيضاً.

 

إلا أن الأشدّ إيذاءً من هؤلاء هم أولئك الذين إفتقدوا الحدود الدنيا من الوعي والذين يجب إجلاؤهم من الشارع بالقوة. وأكثرهم «زناخةً» الذين «يطلعون» بالنظريات عن أن لديهم مناعة ضد الفيروس، أو أن كورونا كذبة وبالتالي فهو مجرد نزلة برد بسيطة، أو أنه محاولة «مفضوحة» لقمع المطالب الشعبية، أو محاولةٌ أخرى، وهي في نظرهم، مفضوحةُ أيضاً، لضبضبة الناس من الشارع.

 

والمنظّرون في هذا السياق يتناسون أن هذا الوباء إجتاح المعمورة كلها، وإنتشاره ليس وقفاً على بلدنا وحده.

 

والأدهى من أولئك جميعاً فاقدو الضمير والمسؤولية مثل أصحاب وروّاد تلك الأوكار التي دهمتها القوى العسكرية والأمنية وفيها مجموعة مراهقين أمام آلات الميسر وليس ثمة تحوّط وقائي، إنما الجميع داخل بضعة عشر متراً مربعاً، حيث لا كمامات ولا قفازات ولا أي وقاية… يتبادلون الضغط بالأيدي المجردة على الأزرار ذاتها ويحركون المقابض ذاتها وتغمرهم غيوم لفافات التبغ إلخ … وقد أسدِل عليهم الباب الحديد الخارجي، ما يُعرّضهم لضيق التنفس حتى في الظروف العادية.

 

وفي مشهد مواز ذاك الملهى الذي بدت قذارته واضحة عبر شاشة التلفزة وقد اجتمع فيه العشرات وهم يدخنون «الأركيلة» وأيضاً من دون أي وقاية، وكأن شيئاً لم يتغير مع الفيروس المستجدّ. وقد لا نحمّل هؤلاء، المراهقين منهم والراشدين، كامل المسؤولية قدر ما نحمّلها ذويهم، آباءهم والأمهات. فأين دور هؤلاء في الإرشاد وفي التوعية؟ أو أنهم لا يمونون عليهم؟

 

ولا نريد الكلام عن ذلك العرس وحضور المدعوين.

 

على كل حال، هذا نموذج فاقع عن الجهل في أسوأ تجلياته! وعن العنجهية الفارغة من كل مضمون التي هي أيضاً توأم الجهل.

 

أليس أن عدم التقيد بالارشادات هو ما أدخلنا في المرحلة الثالثة من تطوّر الفيروس عندنا؟ وبتنا نضع رِجلاً على عتبة المرحلة الرابعة؟

 

ليتنا نستمع الى الإرشادات من مصدرها، أي من وزارة الصحة العامة. وليته يتوقّف ذاك الدفق من سيول مواقع التواصل الاجتماعي الذي يهطل علينا بهذا الحجم الضاغط وقد بات يشكل ثقلاً ليس لعاتق ملازمي المنازل القدرة على احتماله.