مع اقتراب فترة التعبئة ضد «الكورونا» من نهايتها، هل يمكن الحديث عن نجاح التدابير؟ وتالياً، بعد 29 آذار، هل سيكون مجدياً الاستمرار في هذا النهج أم يجب الذهاب إلى خطوات أكثر صرامة؟
الكابوس الذي تحاول الحكومة أن تتجنَّبه هو أن يصبح عدد المصابين أكبر من القدرة على الاستيعاب، أي أكبر من عدد آلات التنفُّس الاصطناعي والأدوية والغرف اللازمة للعزل، بحيث يموت مرضى على أبواب المستشفيات.
أما عمليات العزل في المنازل، فتبقى محفوفة بالمخاطر، لأنّ كثيراً من المنازل ليس مهيأً لتخصيص غرفة معزولة مع كل مستلزمات المريض، أو لأنّ كثيراً من المرضى ينقصهم الوعي الكافي لالتزام العزل بنحو سليم، فلا ينقلون العدوى إلى آخرين… وتكرّ السبحة!
عندما صُدِمت الحكومة بالخروقات الواسعة في الأسبوع الأول من التعبئة، وبمشهد كورنيش المنارة مثلاً، استعانت بالجيش وقوى الأمن لفرض الحظر بالقوة، وتحت طائلة المعاقبة بالإقفال والغرامات.
لكن الخبراء يتحدثون عن ثغرتين خطيرتين قد تحبطان الخطط للقضاء على الفيروس، فيتمدّد في بيئات بقيت حتى اليوم في منأى عن الوباء، وتزداد أعداد المصابين. والثغرتان هما:
أولاً- الفلتان الداخلي في بعض البيئات والمناطق، حيث تبدو الدولة بأجهزتها العسكرية والأمنية والإدارية عاجزة عن ضبط التجمعات الكثيفة، بالمئات بل الآلاف، كما هو الوضع في أسواق طرابلس.
ولا أحد يضمن أن تكون الأوضاع مماثلة في مناطق أخرى، من الشمال إلى الجنوب والبقاع والجبل فالعاصمة، ولكن بنسبة أدنى وفي معزل عن التغطية الأعلامية. وهذا يعني استمرار الاحتكاك بين الأشخاص، واحتمال انتقال الفيروس يبقى قائماً بنسبة 20 % أو 30 % أو أكثر ربما. وهذه النسبة تتكفّل بتعطيل مفاعيل التعبئة.
لذلك، لا بدّ من حسم عملية العزل داخل البيئات والمناطق كلها، بلا استثناء ولا تهاون. ويقتضي ذلك تأمين توازن بين تدابير العزل وتأمين الحاجات الحيوية للمعزولين. وتحقيق هذه المعادلة ليس سهلاً في ظل أزمة اجتماعية خانقة.
ثانياً- الفلتان على المعابر: ليس مضموناً أنّ بوابات العبور إلى لبنان آمنة. والمقصود هنا ليس المعابر الشرعية فحسب، بل خصوصاً عشرات المعابر غير الشرعية. فالعجز المتمادي، منذ سنوات، عن ضبط هذه المعابر أمنياً وجمركياً يعني بالتأكيد عجزاً عن ضبط تنقّل الأشخاص ومراقبتهم ورصد احتمال أن يكونوا حاملين للفيروس. فإذا كان من الصعب كشف الإصابة بالوباء في الأسبوع الأول وحتى الأسبوع الثاني، إذا لم تظهر العوارض، فمن سيفرض على هؤلاء العابرين أن يخضعوا للفحص المخبري؟ ومِن أين سيجري تأمين المختبراتٍ في تلك المناطق الحدودية النائية؟
الداخلون عبر الحدود اللبنانية – السورية هم إجمالاً إما لبنانيون (مواطنون عاديون أو مقاتلون من «حزب الله») وإما سوريون (عمال ونازحون في الغالب) وهناك بعض الرعايا العرب. والأمر يقتضي التدقيق في احتمال أن يحمل بعض هؤلاء العابرين فيروس «الكورونا» من سوريا، أو من بلدٍ آخر (إيران أو العراق مثلاً) عبر سوريا.
وهنا يُطرح سؤالان مهمّان:
1 – هل هناك رصدٌ وضبطٌ حقيقيان لبيئات النازحين، أي المخيمات السورية والفلسطينية وخارجها، لجهة احتمال وجود إصاباتٍ فيها؟
2 – ما حقيقة وضع «الكورونا» في سوريا نفسها؟
يصعب الاقتناع بأنّ أول إصابة بفيروس «الكورونا» في سوريا تمّ اكتشافها قبل يومين، كما أُعلن. ففي 26 كانون الثاني الفائت، نقلت وكالة «دي بي أي» الألمانية عن مصدر طبي سوري، أنّ فتاتين شقيقتين توفيتا قرب حلب اختناقاً بعد ضيق في التنفس، ويُشتبه بإصابتهما بفيروس «الكورونا»، وأنّ حالات أخرى دخلت العناية المركّزة.
بعد ذلك، ساد الصمت، وبقيت سوريا البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي لم يُعلن عن إصابات فيه بـ«الكورونا». لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان نقل أخيراً عن مصادر طبية، أنّ ممرضة توفيت إثر إصابتها بالفيروس، وسط تكتّم السلطات. كذلك، أعلنت مديرية الصحة في عفرين وفاة مريض بضيق التنفس وعوارض أخرى. وهناك انتظار لنتائج فحوصاته المخبرية.
إذا كانت نسبة الوفيات بـ«الكورونا» تقارب الـ2.5 % أو حتى 4 % أو أكثر في بلد كسوريا، فيمكن القول إنّ هناك مئة أو ربما مئات من المصابين هناك. وللتذكير، حذّرت «نيويورك تايمز» من إصابة مليون شخص بـ«الكورونا» في محافظة إدلب وحدها، وقدّرت أنّها قد تقضي على ما بين 100 ألف و120 ألفاً.
إذاً، يبدو حيوياً التفكير في طريقة ضبط الوضع الوبائي في لبنان، في الداخل وعلى المعابر. فكل جهود التعبئة تصبح ضعيفة الجدوى ما لم يتوافر ذلك.
فقرار التعبئة الذي يتمّ تطبيقه، يشبه غسّالة مبرمجة لتعقيم الثياب خلال ساعتين. ولكن، بين الحين والآخر، يضيف أحدهم ثياباً ملوَّثة إليها. وبعد ساعتين، تتوقف الغسالة على مزيج من الثياب «شبه المعقَّمة» أو «شبه الملوَّثة».