Site icon IMLebanon

حقبة جديدة على كل المستويات!

 

كل همّ جديد يجعل الشعب اللبناني ينسى الهم الذي سبقه. قبل تفشي وباء “كورونا” وما انطوى عليه من مخاطر جماعية حول الكرة الأرضية قاطبة كانت هموم اللبنانيين كبيرة ومشاكلهم عميقة وتكاد تكون مستعصية على الحل.

 

حالة الانهيار الاقتصادي والمالي والضائقة المعيشية لم تُعالج وستعود لتطل برأسها فور استعادة الحياة الطبيعية لدورتها المتوقفة قسرياً ومرحلياً؛ لا بل أغلب الظن أنها ستكون أشد ضراوةً نتيجة تعثر شرائح واسعة من ذوي الدخل المحدود عن مزاولة عملهم بشكل طبيعي. فهؤلاء كانوا أصلاً يعانون الأمرين لتأمين قوتهم ولقمة عيشهم ولا يجوز أن يُتركوا لقدرهم من دون الالتفات جدياً إلى توفير سبل صمودهم واستمرارهم في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية الراهنة على كل المستويات.

 

إن توقف الإقتصاد العالمي عن العمل والانتاج وتعطل حركة النقل والشحن والطيران والاقفال التدريجي للمطارات والموانئ والحدود وإعادة المواطنين كل إلى وطنه وتعثر المؤسسات الصناعية والتجارية والزراعية يعيد عقارب الزمن إلى الوراء، وكأن العالم يعيش في حقبة ما قبل الثورة الصناعية وفتح الحدود والاتفاقيات التجارية الكبرى التي أتاحت المجال لنمو الشركات العابرة للقارات والبحار، وسوى ذلك من الظواهر التي أعادت تركيب المجتمعات وفق القواعد المركنتيلية الربحية الجشعة، وجرّدتها من لمساتها الإنسانية والإجتماعية.

 

بطبيعة الحال، ليس المقصود “الترحيب” بوباء “كورونا” لكي يُعاد النظر بالكثير من المرتكزات التي أصبحت بمثابة ثوابت شبه نهائية، ولكن لا شك أن انتشار هذا الوباء أدى إلى اهتزاز قواعد ومرتكزات تستحق إعادة التفكير بمكوناتها وعناصرها، وهو ما يعيد التأكيد على محورية دور الدولة ووظيفتها الإجتماعية التي تراجعت أمام الهجمة الرأسمالية التي لم تعد تعرف ضوابط أو حدوداً.

 

ليس الوقت الآن لإعادة فتح النقاش حول المرتكزات النظرية التي أوصلت العالم إلى ما هو عليه من إنحطاط سياسي وأخلاقي وتقهقر إقتصادي تثبته الأرقام المرتفعة للأمية، والفقر والهجرة والنزوح وبعضها وصل إلى مستويات غير مسبوقة ولم يسجل مثيل لها طوال عقود. ولكن ربما حان الوقت لإعادة اعتبار للأخلاق في ممارسة السياسة والتفكير بخطوات وبرامج ومشاريع تلامس الجانب الإنساني الذي ينطلق من الأخوّة العابرة للقارات بمعزل عن التمييز العرقي أو الديني أو الإثني أو الجنسي.

 

قد يعتبر البعض هذا الكلام مثالياً، لكنه يعكس المثالية الواقعية التي تحتّم على كل المسؤولين أن يعيدوا تركيب مفاهيم المساواة والعدالة الإجتماعية بما يجعلها أكثر قابلية للتطبيق ويفتح المجال أمام تغيير نوعي في طبيعة الحياة البشرية بعد هذا التحول الاستثنائي التاريخي غير المسبوق.

 

أما لبنانياً، فلا بد من العمل الجدي لمواجهة تفشي الوباء واتخاذ قرارات وخطوات نوعية وجذرية توقف توسعه المضطرد وتعطي البلاد متنفساً هي أحوج ما تكون إليه على ضوء كل المشاكل التي سبقت في المرحلة الماضية والتي لن تتلاشى مع تلاشي “كورونا” بل ستكون أكثر صعوبةً.