اجتمعت كل العوامل السلبية في وجه قطاع النفط الوليد. انتشار فيروس كورونا وانخفاض سعر البرميل إلى مستوى تاريخي، جعلا القلق ينتاب العاملين في القطاع. حتى اليوم كل المهل صامدة، لكن فعلياً، ثمة استحالة للسير بدورة التراخيص الثانية في نهاية نيسان. أما مرحلة الاستكشاف في الرقعة الرقم 4، فبالرغم من أنها لم تتأثر وقد تنتهي قبل الموعد المحدد، إلا أن أحداً لا يمكنه التنبّؤ بما بعدها
حتى اليوم، لم يتأثر قطاع النفط بالأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان والعالم. بل على العكس، يُرجّح أن تُنجز مرحلة الاستكشاف في الموعد المقرر، في نهاية الشهر المقبل، وربما قبل ذلك. حتى إعلان مجلس الوزراء للتعبئة العامة في 15 الشهر الجاري، لا يُتوقع أن يؤثر على خطط الاستكشاف. فالمجلس استثنى «العاملين في الأنشطة البترولية العائدة لأنشطة حفر البئر الاستكشافية في الرقعة الرقم ٤ من الإجراءات المحددة في مرسوم التعبئة العامة».
لكن بعد أن طلبت رئاسة مجلس الوزراء من الأجهزة الأمنية، في ٢١ آذار، التشدّد في تطبيق قرار التعبئة العامة، وتقييد حركة السير في مختلف المناطق، خُشي أن تؤدي هذه الخطوة إلى إعاقة العاملين في الحفر من الوصول إلى القاعدة اللوجستية في مرفأ بيروت إلى مطار بيروت للتوجه بالمروحيات إلى سفينة الحفر، كما إلى مكاتب الشركات المعنية (توتال والمقاولين والمقاولين الثانويين). كذلك، أبدت وزارة الطاقة خشيتها من أن تسهم هذه الإجراءات في منع المروحيات من نقل العاملين إلى سفينة الاستكشاف أو منع السفن اللوجستية من الإبحار باتجاهها. ولتأكيد الاستثناء، عمدت الوزارة إلى إعداد اقتراح تطلب فيه من رئاسة مجلس الوزراء الإيعاز إلى الاجهزة الأمنية بتسهيل مرور العاملين لدى هذه الشركات داخل الأراضي اللبنانية، وكذلك الإيعاز لها بعدم منع المروحيات والسفن من نقل العاملين.
إذا كان هذا الإجراء يضمن استمرار الأعمال على باخرة الاستكشاف من دون عراقيل، فإن الشركات العاملة في الموقع كانت قد بدأت من جهتها بإجراءات صارمة للوقاية من كورونا، خاصة أن سفينة الاستكشاف تضم على متنها ما يقارب 200 شخص بين خبراء فنيين ومقدمي خدمات وممثلين للدولة اللبنانية. أولاً، هي أقفلت تماماً الباب أمام من يزورون الباخرة من دون أن يكونوا من العاملين على متنها، منذ ٦ آذار الحالي، فكانت الزيارة الأخيرة من نصيب كل من وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
كذلك، وعوضاً عن تبديل فرق العمل كل أسبوع، اعتمدت المداورة كل أسبوعين. وقد انتهت بالفعل الدورة الأولى وعادت فرق الاستكشاف إلى بيروت، على أن تنتقل مجدداً إلى السفينة بعد مرور أسبوعين.
كل الترتيبات تشير إلى أن مرحلة حفر البئر الاستكشافية لن تتأخر قبل أن تتحول إلى حقيقة، لكن ماذا بعد؟
نظرياً، لا شيء تغيّر في المهل الموضوعة للأنشطة البترولية المختلفة، ولا سيما إطلاق دورة التراخيص الثانية في نهاية نيسان، أو بدء الاستكشاف في الرقعة الرقم ٩ في الفصل الأخير من العام الحالي. لكن عملياً، فقد صار محسوماً أن دورة التراخيص الثانية ستؤجل. ففي ظل الوضع الذي استجد بعد انتشار كورونا، سيكون مستحيلاً أن تلتزم الشركات بالموعد المحدد. ولذلك ينتظر أن تعمد وزارة الطاقة إلى إعلان التأجيل قبيل منتصف نيسان، علماً بأن شركات عديدة أبدت اهتمامها بأن تكون جزءاً من دورة التراخيص الثانية، واشترت البيانات والدراسات المتعلقة بالرقع المفتوحة للمزايدة. كل ذلك توقف منذ نحو أسبوعين، نتيجة الإغلاق العام في لبنان والعالم. في مطلق الأحوال، فإن استمرار السير بدورة التراخيص كان سيصطدم بانهيار أسعار النفط. وبالرغم من أنه يصعب تقدير حجم هذا التأثير، إلا أنه يرجّح أن تقدم عروض أدنى من تلك العروض التي قدمت في الدورة الأولى، فحينها كان سعر برميل برنت 50 دولاراً، فيما انخفض اليوم إلى ٢٧ دولاراً، بينما وصل سعر الخام الأميركي إلى ٢٣ دولاراً.
وزير الطاقة يطلب تسهيل مرور العاملين في الاستكشاف النفطي
أما بشأن الرقعة الرقم 9، فالأمر أكثر تعقيداً. بالرغم من حجز تحالف توتال – إيني – نوفاتِك لميزانية العمل في تلك الرقعة، وبالرغم من بدء إعداد العقود والمناقصات المتعلّقة بها، إلا أن هذه الخطوة قد تتأخر بسبب فترة التوقف القسري التي فرضها كورونا على العالم. وحتى دراسة الأثر البيئي التي بدأ العمل بها، لن يكون ممكناً استكمالها في الوقت الراهن، نظراً إلى الحاجة للانتقال إلى الميدان وإجراء مقابلات مع أهالي المناطق المواجهة للرقعة.
المشكلة أن كورونا ليس العائق الوحيد في وجه الاستكشاف في البحر اللبناني. الانخفاض التاريخي لأسعار النفط سيكون له تأثير كبير على الخطط الموضوعة من قبل الشركات. هي تعمد، في هذه الظروف، إلى ضبط نفقاتها، وبالتالي خفض استثماراتها، فتكتفي بالإنتاج من الحقول الجاهزة مقلّصة مشاريع الاستكشاف وتطوير الحقول. لكن مع ذلك، فإن هذه قد لا تكون الحال في لبنان، وإن تأخر العمل عن المهل التي كانت مقررة.
للتذكير، فإنه فور إنجاز الاستكشاف في الرقعة الرقم 4، ستحتاج الشركات إلى نحو شهرين لتحليل النتائج، بعدها تكون الاحتمالات ثلاثة:
– يحتوي البئر على كميات تجارية كبيرة، فيتم عندها حفر بئر تقييمية، لتحديد تفاصيل المكمن الغازي، تمهيداً لبدء التطوير والانتاج.
– تكون النتيجة سلبية، لكنها تتضمن مؤشرات لوجود مكامن بقربه، فيتم حفر بئر استكشافية أخرى، بعد مدة، أو يتم الخروج من الرقعة نهائياً إذا لم تظهر مؤشرات كهذه.
في الحالة الثانية، أي عند عدم اكتشاف كميات تجارية في البئر الأولى، يخشى أن تعمد الشركات إلى الانسحاب، انطلاقاً من أن البئر الاستكشافية تكلف نحو 60 مليون دولار، وبالتالي من الأجدى في ظل انهيار أسعار النفط عدم صرف مزيد من الأموال، على استثمار غير مضمون.
لكن مع ذلك، فإن الضغط المالي لا يعني دائماً التوقف عن الاستكشاف أو الاستثمار، وجود آبار جاهزة للتطوير يعزز وضع الشركة، بما يسمح لها بالحصول على القروض المصرفية. وبالتالي، تؤكد مصادر مطلعة أن انخفاض أسعار النفط لا يعني بالضرورة تجميد الاستثمار. فمعظم شركات التنقيب تعمل في صناعة البتروكيماويات، وهذه الصناعة غالباً ما تزدهر عندما تنخفض أسعار النفط.