IMLebanon

بين حجْر الـ 5 نجوم وملاجئ الرعب… الفرْق كل الفرْق

الروتين الصحي يحميكم من التداعيات النفسية المرتقبة

 

الجامع المشترك بين الهرب الى الملجأ خوفاً من جولة قصف، والبقاء في المنزل خوفاً من كورونا… واحد: أن ينفد الإنسان بريشه ويبقى حياً يُرزق. ومن عاش في الملجأ يرى الحجر المنزلي “لعبة أولاد” ونعيماً لا يعرف قيمته جيل اليوم، أمّا بالنسبة للذين يشعرون بعدم القدرة على الاستمرار في الحجر، فبعض نصائح طب النفس تساعدكم بالحفاظ على استقراركم النفسي.
العودة 30 سنة الى الوراء… مرعبة. حرب، ملاجئ، دمار، دماء قتلى وجرحى… نسمع بين الحين والآخر من يقول “يا محلا أيام الحرب”… نبحث في عمق معنى جملته، لنفهم أنّ المقصود هو صعوبة الوضع الاقتصادي الحالي، ففي “أيام الحرب، كان في مصاري”. ولكن بالطبع أنّ الحرب لا تحمل في طياتها أي “حل “، والنوستالجيا اليها اضطراب نفسي بحد ذاته. وقد يكون الحجر المنزلي الذي فرضه “كورونا”، أعاد الى البعض ذكريات الملجأ، وجعل منها قصصاً وروايات مشجعة، يخبرها لأولاده ليريهم جنة حجرهم، مقارنةً بجحيم الملجأ.

 

جحيم الملاجئ

كانت الملاجئ في المدن عبارة عن مخازن تحت الارض أو كاراجات، وقليلٌ كان عدد الملاجئ الفعلية الكاملة المواصفات. أمّا في الجبال فحُولت أقبية الحيوانات تحت الابنية الحجرية الى ملاجئ. لم يكن هناك من توقيت فعلي للتوجه الى الملجأ بل كان يخضع لأجندات المتحاربين وتكتيكاتهم العسكرية وحتى لأمزجتهم. وعلى الرغم من ذلك، اصبح لدى الجميع حدس عسكري يدفعهم الى الملجأ وخبرة في تحديد départ القذيفة ومكان سقوطها. مع سقوط القذيفة الأولى كان الناس يهرعون الى الملاجئ المتاحة. الامهات يحملن اولادهن بينما يتكفّل الآباء الفراش الاسفنجية والاغطية، ومن ثم يعودون لاصطحاب كبار السن، ليغتنموا فرصة “الهدوء النسبي” لجلب الشموع والماء والادوية والاكل ولا سيما المعلبات.

لم تكن فترة المكوث في الملجأ محددة، فيمكن أن تقتصر على ليلة واحدة وأن تستمر لـ100 يوم، كما حدث في حربي الأشرفية (1978) وزحلة (1981). لا ينكر من عاش في الملجأ أنّ الحياة داخله كانت بمثابة نار جهنم فعلية؛ ففي الخارج جحيم قصف وفي الداخل حشر وخوف وضجيج وتدخين وانعدام خصوصية لأي كان، هذا إن لم تنشب معارك جانبية على خلفية تحرش أو الانزعاج من الأصوات المرتفعة أو حتّى بسبب “دق ورق”. أمّا النساء، فكانت تسليتهن الاهتمام بالأولاد، وعند الاستراحة كانت تعقد جلسات دردشة تنسيهن الداخل والخارج ولم “يكن أحد يزمط من ألسنتهن السليطة”. ولعلّ الصلاة كانت القاسم المشترك الوحيد بين جميع الموجودين.

بين الأمس واليوم، حبنا وتمسكنا بالحياة جعلنا “نسجن” أنفسنا، الّا أنّ الحجر المنزلي الذي نعيشه في هذه الفترة “وثير مريح”، فيه كل اساليب الراحة، قياساً إلى حجر الملاجئ”، كيف لا؟ وكلٌ فرد يأوي إلى سريره، يأكل ما يشتهيه على مائدته، ويهتم بنظافته الشخصية على كيفه، وليس مطلوب من أي أحد سوى ملازمة منزله والالتزام بالحجر، ليحمي نفسه والآخرين.

بتذمر، نحجر أنفسنا اليوم ونشكوا من الضجر وبطء مرور الوقت. كباراً وصغاراً، عدنا الى اللعب التقليدية للتسلية، فتجتمع العائلة مطولاً على لعبة الـ”مونوبولي”،الـ”ريسك”، “الحية” و”wahoo” لعبة الحجر الاولى. اضافةً الى “طاولة الزهر” والورق، حيث تستمر التحديات لساعات، ينصب بعدها الرابح نفسه “ملك اللعبة” الذي لا يقهر. في المقابل، وارتاحت أمهات اليوم، بعكس أمهات زمن الحرب، إلى انصراف أولادهن إلى وسائل التواصل الاجتماعي و”الانترنت” و”نتفليكس”، والـ”Playstation” والألعاب الالكترونية، وبتن يحمدن ربهن على تطور التكنولوجيا، الصديقة الودودة، لمختلف الفئات العمرية في زمن الكورونا.

صور من الماضي

تداعيات نفسية ما بعد الحجر

بعد انتهاء الحرب اللبنانية، دخلت عادات مكتسبة جديدة الى مجتمعنا، بالاضافة الى مشاكل نفسية عانى منها من عاش هول الحرب وخصوصاً سكان مناطق خطوط التماس، فكانوا يهربون الى مكان للاحتماء فيه عند سماع صفير أو أصوات انفجارات ناتجة عن جدار صوت او تفجير صخور. ويفسر الطب النفسي هذه الحالات على انها اضطراب ما بعد الصدمة، وهذا لا ينطبق على وضعنا اليوم الّا للذين اصيبوا بالكورونا أو قلقوا على أحد المصابين. كما أنّ الجلوس في الملجأ كان يؤمن التواصل الاجتماعي بين الناس ما يخفف عنهم قليلاً، بعكس ما نعيشه اليوم. على أي حال، نجهل حتّى الآن مدّة استمرار فترة الحجر، ولكن بالتأكيد سنشهد على دخول سلوكيات جديدة على الروتين اليومي مع انتهاء تفشي الفيروس، قد تتمثل بخلع أحذيتنا عند الباب أو الخوف من لمس وجهنا، أو حتّى الامتناع عن السلام باليد وتوزيع القبلات. أمّا بالنسبة للتداعيات النفسية التي يمكن أن تتطور في هذه المرحلة، فترتكز على تحول القلق الزائد الى وسواس قهري، بحسب اختصاصية علم النفس العيادي الدكتورة كارول سعادة التي اشارت الى “وجود من يخلط ما بين الوقاية والوسواس القهري او القلق الزائد، وخصوصاً من لديه استعداد لشخصية مرضية (على المستوى الجيني الوراثي) أو لحالات نفسية معقدة. ويعتبر الخوف طبيعياً جدّاً ومبرراً في هذه الفترة، ويساعد الانسان على البحث عن الحلول، عكس القلق الذي يتخطى الخوف، ويتحول الى خوف غير منطقي على أمور غير واقعية”.

خلع الأحذية عند الباب… عادة جديدة مكتسبة

روتينكم الصحي في الحجر

لا يختلف اثنان على أننا نمر بفترة استثنائية، ولكن يوجد من لا يتحمل فكرة الحجر، وتشرح د. سعادة في هذا السياق أنّ “التوعية اساس في هذا الموضوع، ويجب قياس ايجابيات البقاء في المنزل وسلبيات الخروج منه والثمن الذي سندفعه. من هنا، يمكننا تحديد مسؤوليتنا الانسانية والوطنية، وأهمية نضوج تصرفاتنا، والتزود بالمعلومات الصحيحة، إن كان من ناحية معرفة الفيروس أو استعياب فكرة الحجر المنزلي. ومن المفيد أيضاً المحافظة على روتين يومي صحي خلال الحجر، يحمينا من التداعيات النفسية، ويحافظ على استقرارنا النفسي، من خلال:

– الإبتعاد عن الخمول والبقاء بـ”البيجاما” طوال فترة النهار، لان ذلك يؤثر مباشرةً على النفسية.

– إرتداء الملابس، والاهتمام بمظهرنا الخارجي لان اهمال النفس على المستوى الجسدي، له تداعيات نفسية.

– المواظبة على الرياضة أو أي نوع آخر من تمارين الحركة، لاخراج طاقتنا بطريقة ايجابية بدل كبتها داخلنا.

-الابتعاد عن سلوك الأكل المفرط الذي يؤدي الى الكآبة.

– الابتعاد عن التفكير السلبي وتحفيز أفكارنا الايجابية.

– ممارسة شغفنا في الأمور التي كان لا يسمح بها وقتنا كالمطالعة أو الطبخ…

– عدم التوقف عن العمل اذا أمكن انجازه “Online”.

– التواصل المستمر مع أصدقائنا وأحبائنا “افتراضياً”، ما يبعد عنّا الشعور بالوحدة.

– قيام افراد العائلة بالنشاطات التي افتقدوها في الفترة الأخيرة، مثل تناول الغداء مع بعضهم البعض.

– مناقشة أفراد العائلة للمشاريع المستقبلية التي يرغبون القيام بها مع انتهاء فترة الحجر المنزلي، وهذا يعطي شعوراً بالأمل واستمراية الحياة.

– الابتعاد عن المثالية في هذه المرحلة، وخصوصاً من ناحية تربية الأولاد، والسماح لهم بتمضية وقت اطول من المعتاد على الأمور التي يحبونها، فالوضع معقد ويجب الخروج منه بأقل ضرر ممكن على المتسوى النفسي”.