مسكينة، هذه الدولة اللبنانية… ما عساها أن تحمل من الأعباء وتتحمّل من الكوارث؟!
ومسكين، هذا الشعب اللبناني المظلوم، ولقد لحقته المظالم من كل حدب وصوب، بدءا بدولته وحكامه ومسؤوليه وأزلامهم وأتباعهم الذين لم يتركوا بابا للسلب والنهب وأكل مال الدولة والشعب بحرفنة ووقاحة غاية في التمادي والجشع والإسترسال في سرقة المال العام إلى درجة إيصال الأوضاع العامة والخاصة إلى حدود الإفلاس، حتى إذا ما طاولتنا كارثة الكورونا المتمادية، وبصرف النظر عن عواقبها الصحية والطبية وآثارها كوباء اجتاح العالم وأوقع ملايين الضحايا وكان طبيعيا أن يلحق بلبنان واللبنانيين بعض من آثارها المدمرة والقاتلة وكان طبيعيا والحال ما ذكر، أن يلحق بالشعب اللبناني كل هذا الإنعزال والعزلة التي فرضتها ظروف كورونا عليه وعلى طبقاته الاجتماعية المختلفة وفي طليعتها طبقات لا تأكل ولا تسد حاجاتها الأساسية إلا إذا توفرت لها فرص العمل التي أقفلت في وجهها أبواب المؤسسات والمحلات ومصادر الرزق المختلفة بحكم الانهيارات الاقتصادية التي لم يكن ينقصها إلاّ الكورونا الكونية لتصبح الكوارث اللبنانية طليعة في كوارث العالم بأسره ولتكرس في حياة المواطن اللبناني بغالبيته الكاسحة، مهاوي المأساة بكل وجودها ونتائجها واشتداد دوران العواصف في صميم حياتها.
أما وقد يتنامى في خضم الكورونا الكونية التي طاولت العالم بأسره وألحقت به كل هذه الاهتزازات المخيفة، وأما وكورونا قد زادت طيننا بلّة وكوارثنا مصائب، كنا نأمل أن تستقيم تصرفات الحكم بإطاراته الأساسية المتمثلة بالجهات الحاكمة والمتحكمة، فنرجئ جميعاً كل تناقضاتنا وخلافاتنا، بل ونرجئ مواقفنا وأحكامنا على الواقع المقيت الذي أوقعتنا به التطورات التي تركت البلاد حبيسة وضع حاكم أطبق على مقاليد الحكم، وأطلق تمثيلية ملفقة الوقائع أوهم فيها الناس بأنه «صحح» أوضاع البلد وأخرجها من قواعدها الميثاقية بأن أوجد حكومة غير شكل، تضم رئيسا وأعضاء تم الإيهام بأنهم طاقم حكم سيد حر ومستقل عن الأوضاع السائدة والتي تم التجهيز لها بقانون انتخابي مستغرب وانتخابات أوصلت للبرلمان أكثرية مصطنعة وللحكم حكومة تعبق بروائح الإنتماءات المشبوهة إلى الطقم الحاكم الجديد المتمثل بما أسمي حكومة حزب الله، فإذا بنا أمام حكومة طبق الأصل عن الحكومات السابقة التي أعطيت صفة حكومات وحدة وطنية أوقعت تصرفاتها وخلافاتها البلاد والعباد في مصائب جمة أوصلت إلى مزالق الحاضر بحكومة جديدة لم تتمكن حتى الآن من إطلاق ذاتها وقراراتها ومواقفها إلى أي اتجاه منتج، فإذا بها تغرق في بحار من الخلافات والصراعات الفئوية والحزبية الضيقة، فهي لم تتطرق إلى أية قضية إصلاحية أساسية كقضية الكهرباء، علّة العلل التي جعلت من البلاد غارقة في بحر من السوء والتخبط وكقضية الأملاك البحرية والممرات غير الشرعية والتعيينات الإدارية الساعية إلى الإطباق على البلاد بكل مواقعها ومماسك السلطة فيها، فلم تتمكن من تمرير المفتاح الإصلاحي الأساسي المتمثل بمشروع التعيينات القضائية التي أطلقها مجلس القضاء الأعلى، ولا هي تمكنت من إجراء التعيينات الملحة المطلوبة في مواقع البنك المركزي، وبالرغم من بعض المحاولات المعقولة التي قام بها بعض الوزراء لاحتواء الاوضاع وتصحيحها إلاّ أن الحابل قد اختلط بالنابل، فجاءت معضلة الكورونا الدولية لتغطي السماوات بالقباوات، ولتطلق يد الساعين إلى العبث بأوضاع البلاد وجرّها إلى مسارات غريبة، واتجاهات بعيدة عن منطلقات أساسية لطالما رافقت نشأة لبنان الإقليمية وتوجهاتها العربية وغرقها في خيرات المحيط العربي بما أعان لبنان على تجاوز محنه المتتالية بعون عربي سخي، وبدعم سياسي واقتصادي ومالي عميق الجذور، وإذا بنا في هذه الأيام نغرق في محاولات مؤسفة تسعى إلى الإنتقال به إلى آفاق غريبة أقل ما يقال فيها أنها لا تحظى بالتوافق والإجماع الوطني.
الحكومة… غارقة مع الاسف في خلافات وزرائها والجهات التي تدعمهم وتوجههم.
والحكم الحالي… في العالم كله، وفي الطليعة اليوم… في لبنان غارق بالحكم الكوروني الطاغي والمخيف، وفي مثل هذه الظروف القاهرة والقهارة… الشكوى لغير الله مذلة.
ولا بد لنا أخيراً من الإشادة بمبادرة المواطنين اللبنانيين في بيروت خصوصا من خلال اطلالاتهم من شرفات ونوافذ منازلهم في أماكن وجود المستشفيات وأماكن تواجد الأطباء والممرضين والمساعدين الذين ما فتئوا مشكورين يبذلون جهودا مضنية في ممارسة مهامهم الإنقاذية لآلاف المصابين بالكورونا، وهم بذلك يغامرون بأرواحهم ويبذلون أيامهم وجهودهم في جهد وطني وإنساني مشكور، يستحقون عنه كل هذا التصفيق والإشادة وصيحات المدح والتشجيع.
كما لا بد لنا من توجيه الإشادة والشكر للمواطنين والهيئات والجهات التي سارعت إلى الإستجابة لدعوات التبرع التي وجهتها بعض الجهات الإعلامية والاجتماعية والوطنية، شكر موجه بشكل خاص إلى ذوي الدخل المحدود الذين بادروا باندفاع وشعور متأصل ومتدفق بالواجب الملح الذي بات يطرق أبواب الجميع وثرواتهم الصغيرة والكبيرة.
إنه الامتحان الكبير لكل المواطنين بكافة جهاتهم وفئاتهم ذلك أننا أمام وطن يعاني ويتمزق… وطن يكون أو لا يكون، والله الحامي والمُعين.