IMLebanon

أكسسوارات الكورونا تغزو أسواق لبنان والعالم

 

مصدر رزق مفتوح على الغش والتزوير

 

في ما مضى من أيام سعيدة لم يكن واحدنا يخرج من بيته قبل ان يتأكد من أنه يحمل محفظته، أوراقه، مفاتيحه، نظاراته، بطاقته المصرفية وما يقدره الله عليه من مبالغ مالية. اليوم الحاجة الى كل هذه انتفت وصار الخروج من البيت يستلزم أكسسوارات اشد إلحاحاً وضرورة فرضها الكوفيد-19 علينا صارت بمثابة درع نحمله بثقة لصد هجمات الكائن الخفي.

اليوم ما عاد الشرطي يوقفنا ليسأل عن أوراقنا بل ينصب الحواجز لنا ليؤنبنا على تساهلنا في وضع الكمامة، وما عدنا نخشى ان تُسرق بطاقتنا المصرفية بل الخشية كل الخشية الا نعقمها كما يجب بعد استخدامها. هكذا تغير حالنا وارتقينا من مستوى اشخاص طبيعيين الى مستوى مخلوقات مهووسة بالنظافة والتعقيم وبات كل خروج من البيت يتطلب طقوساً اين منها طقوس رواد الفضاء حين يتركون مركبتهم للتوجه الى الفضاء العدائي المجهول في الخارج.

استعدادات لوجيستية تسبق المواجهة

 

على الكونسول عند مدخل البيت أزيلت التحف والمزهريات والبيبلوهات واحتلت المساحة مكانها قوارير تعقيم اليدين وقناني السبيرتو وعبوات الديتول وعلب القفازات والمحارم المبللة وأكياس الكمامات المختومة. من هنا تبدأ الانطلاقة اللوجستية لكل من تضطره الظروف لمغادرة حجره المنزلي للتوجه الى العمل او السوبرماركت او حتى الى مدخل البناية. لا مساومة على وسائل الحماية ولا استرخاص أو سعي في اتجاه محلات الـ 1 $ فالنوعية هي المطلوبة لتأمين حماية مضمونة وإن كلفت المواطن العادي اكثر من نصف راتب لا يقبضه اصلاً. القفازات والكمامة تحصيل حاصل (وقد تفوقت بذلك على الملابس الداخلية) لا يخرج أحد من دونها ولكن بعض المغالين يميلون إلى اعتماد وسائل حماية اكثر جذرية فيلجأون الى الاوفرول الخاص الذي تعتمده عادة الطواقم الصحية في المستشفيات والأماكن الموبوءة فيحمي الجسم من اعلى الرأس الى اخمص القدمين ويوفر تغطية لنصف الوجه وتضاف إليه النظارات والاقنعة ليتحول الى درع واق يعصى على اي فيروس.أما أولئك الذين لا يسمح لهم دخلهم او عملهم باستبدال الكمامة مرات عدة في اليوم فقد ابتكروا طريقة جديدة ليحموا بها وجههم باتت تعرف اليوم باسم الـ Head Shield او درع الرأس وهي عبارة عن قطعة بلاستيكية تلتف حول الوجه حتى حدود الرقبة وتثبت بعقدة مطاطية عند مستوى الجبهة لتحمي الأنف والعينين والفم من أي رذاذ حامل للفيروس. الفكرة أطلقها مبتكر إيطالي قص قناني المشروبات الغازية المتوسطة الحجم وفصّلها وحولها الى درع بلاستيكي يلتف حول الوجه. هي في الأصل لا تكلف شيئاً لكنها حين تحولت الى تراند تهافت عليه الناس بات سعر الدرع المحلي الصنع يتراوح ما بين عشرة وعشرين ألف ليرة.

 

بين الجشع والحمايات الوهمية

 

ولكن كل هذه الأكسسوارات التي نطمئن إليها ونعهد إليها مهمة حمايتنا من الفيروس من مواد تعقيم وكمامات وبذلات واقية هل تقوم بدورها حقاً في حمايتنا ام باتت نسخاً وهمية مزورة، مغشوشة وباهتة عن مواد أصلية ارتفع سعرها بشكل جنوني ليصير عبئاً حقيقياً على سلامة المواطن المالية والاقتصادية وخطراً يوازي الخطر الصحي؟

 

لا شك ان أكسسوارات الكورونا تحولت الى تجارة رابحة لا بل رابحة جداً ومع الربح يأتي الجشع والزعبرة ومحاولات الاستفادة الى أقصى حد. تجار الموت وجدوا فيها فرصة ليستغلوا خوف الناس وذعرهم ليقدموا إليهم مواد مغشوشة مقلدة تمنحهم شعوراً وهمياً بالحماية وتطمئنهم الى سلامة تنقلاتهم فيما هي ليست إلا مجرد خلطات بدائية لا تمت الى العلم بصلة ولا تحمل من خلطات الكيمياء شيئاً، مجبولة بالضرر والأذى والغش.

 

دوريات من الجمارك اللبنانية أوقفت اكثر من مستربح واقتحمت أكثر من مستودع يقوم أصحابه بصناعة مواد تعقيم وتنظيف مغشوشة ليس فيها من المواد الأولية الفعالة إلا نسبة قليلة جداً أو يعملون على تعبئة مواد مزورة تحمل اسماء منحولة لماركات عالمية معروفة. المضبوطات في أحد المستودعات في مدينة صيدا تحاكي ما يملكه معظمنا في بيته من ماركات سبيرتو والمعقمات. هنا تقوم خلاطات بدائية أكل الصدأ او العفن حديدها بخلط مادة كحولية ذات نسبة متدنية من الإيتانول بالماء ومواد أخرى ليصار بعدها الى تعبئة المزيج في قناني تحمل اسم سبيرتو ولكن ليس فيها من هذه المادة إلا اسمها. فكلنا يعرف ان السبيرتو بما يحويه من إيتانول مادة سريعة الاشتعال ولكن سبيرتو المستودع المذكور لا تنبثق منه شرارة حتى ولو وضعناه فوق موقد مشتعل.

 

في مستودع آخر في البقاع يقوم خلاط شبيه بالأول من حيث المواصفات بإضافة تلوينة بنية الى مادة مجهولة الهوية لتحويلها الى “ديتول” وفي برميل بلاستيكي نتن تخلط بعض بودرة البوطاس مع معطرات قوية لتتحول الى مساحيق غسيل يفترض بان تنقي ثيابنا وتزيل عنها أي اثر للفيروس، ويحول قسم آخر من البودرة الى سائل يعبأ في قوارير تحمل اسماء المعقمات المعروفة.

 

اما الكمامات فحدث ولا حرج فقد صارت صناعة وطنية مربحة الكل يريد الاستثمار فيها سواء خضعت للمواصفات العالمية ام ابتكرت لها مواصفات خاصة مثل إمكانية غسلها في الغسالة وإعادة استعمالها مرات عديدة. الكمامات التجارية تلك التي تتباهى بعض المصانع الصغيرة بانتاجها هي مجرد طبقات من القماش تم درزها لتشكل ثلاث طيات بحيث تصبح شبيهة من حيث الشكل بالكمامات الطبية المعروفة، إنما من دون أن يكون في داخلها أي فلتر يؤمن عدم تسرب الملوثات والفيروسات من الخارج عبرها نحوالفم والأنف.

 

إقرأ تفرح جرّب تحزن

 

للاستفهام عن خصائص هذه الكمامات اتصلنا بأحد مصنعيها بعد أن ملأ مواقع التواصل إعلانات عن بضاعته المستحدثة. أعطيناه اسم الصحيفة فراوغ وتهرب من التحدث إلينا. أعدنا الاتصال مرة جديدة من رقم آخر من دون ان نعطي الإسم فاستفاض بشرح خصائص كمامته: هي من طبقات ثلاث تحتوي على طبقة من الشاش الرقيق العازل، يمكن غسلها في الغسالة على حرارة معتدلة، وليؤكد لنا فعاليتها نصحنا باعتماد تجربة الشمعة.

 

نضع الكمامة وننفخ على الشمعة فإذا انطفأت يعني هذا أن الكمامة لا تحمي من دخول الهواء عبرها نحو الفم اوخروجه من الفم نحو الشمعة. اما إن لم تنطفئ الشمعة فذاك مؤشر على فعالية الكمامة في الحماية. ولكن هل تكفي هذه التجربة البسيطة لتجعل منها كمامة طبية ذات مواصفات عالمية ؟ بالطبع لا، لكنها تبقى ربما أفضل من الخروج بوجه عار معرّض لكل الموبقات.

 

سألنا صاحبنا عن البذلات الواقية التي يصنعها فاكد لنا أن الكثير من شركات الأدوية اشترت كميات منها من مصنعه ونسأل: هل يمكن للطواقم الطبية استخدامها؟ يتردد في الإجابة لكنه يؤكد أنها مصنوعة من النايلون المضاد للمياه الذي يمكن تعقيمه وحتى غسله على حرارة معينة وهي متوافرة بقياسين وسعر الواحدة منها 40000 ليرة لبنانية. إذا كان الأمر بهذه البساطة لم لا يتم تعميمها على كل الطواقم الطبية والعاملين في المستشفيات لحمايتهم من خطر الفيروس؟؟؟ تستمر مسرحية الكمامات للتحول الى وسيلة تسويق حزبية حسبما أظهرت بعض الصور المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي. كمامات تحمل شعارات حزبية وتعمل ربما على حماية المحازبين وحدهم دون سواهم من أخصام او مواطنين عاديين. حتى الجيش اللبناني بات أفراده يستخدمون كمامات مميزة بالنقشة العسكرية المعروفة ولا شك أنها مدروسة اكثر من سواها من كمامات لتحمي هؤلاء الأفراد الواقفين في خطوط التصدي الاول للفيروس.

 

تضامن اجتماعي يحضن الجميع

 

هذا في لبنان أما في العالم فقد انبرت كبرى الشركات واغناها لخدمة دولها وتصنيع كمامات وبذلات واقية ذات مواصفات موثوق بها. CHANEL و Burberry الماركتان المعروفتان في عالم اللوكس قد حولتا خطوط إنتاجهما للملابس الفاخرة والعطور الى مصانع لإنتاج الكمامات وصرح مسؤولو دار شانيل قائلين: إننا نحشد قوة العمل اليوم لإنتاج الكمامات والقمصان الواقية لمساعدة الدولة الفرنسية على التصدي للوباء.

 

أما في الولايات المتحدة فلم يقتصر الأمر على إنتاج الكمامات العادية بل إن إحدى الطالبات قامت بالمشاركة مع والدتها بتصنيع بيتي لكمامات خاصة للصم والبكم الذين يعتمدون على قراءة الشفاه لفهم ما يقوله الآخرون ويحركون شفاههم للتعبير عن أنفسهم. لهؤلاء صممت الطالبة كمامة مزودة بقطعة بلاستيكية شفافة عند مستوى الفم تتيح حركة الشفاه وتسمح للناس من حولهم بفهم ما يقولونه. حتى أولئك الذين يشكلون الأقلية ممن لا آذان لهم بسبب تشوه جيني ما تم ابتكار كمامات خاصة لهم لا يتم تثبيتها وراء الأذن.

 

للفقراء تعقيمهم وللاغنياء جزرهم

 

إذا كان العالم اليوم مشغولاً بوباء كورونا وأكسسواراته فأغنياءه اعتمدوا لأنفسهم وسائل حماية مختلفة عن عامة الناس. وبحسب تقرير نشرته فرانس 24 فإن الأغنياء اليوم استبدلوا التعقيم والكمامات والبذلات الواقية بحجر أنفسهم في جزر خاصة لا تطأها رجل ولا يصل إليها فيروس. أما تنقلاتهم فتتم بعيداً عن زحمة الناس والمطارات بطائرات أو رحلات طيران خاصة تقارب كلفة واحدتها 20 ألف دولار.

 

ومن لا يستطيع الانعزال في جزيرته تقدم له بعض الدول خدمات فندقية خاصة، ففي سويسرا مثلاً خدمة فندقية تحمل اسم خدمة covid -19 تؤمن اختباراً للفيروس داخل الغرف مع زيارة أطباء ورعاية تمريض على مدار الساعة مع كلفة تبلغ 4200$ في الليلة الواحدة.

 

أما في روسيا فقد عمدت بعض العائلات المفرطة الثراء الى تحويل منازلهم الى عيادات موقتة حيث قاموا بشراء أجهزة التنفس التي بات يندر وجودها في العالم لضمان حصولهم على افضل رعاية ممكنة في حال تعرضهم للفيروس. كذلك انتشر بين أغنياء العالم استخدام أقنعة متطورة عالية الجودة وغالية الثمن بدل كمامات العامة الرخيصة بحيث يتراوح سعر الواحدة ما بين 30 و99 دولاراً.

 

في الختام مهما تعاظم سعي الأغنياء او اشتد بحث الفقراء عما يحميهم من وباء العصر ومهما تفنن اصحاب النوايا الحسنة أو السيئة في ابتكار وسائل الحماية يمكن اختصار المساعي بمقولة واحدة تبقى هي الأصح: على العبد التفكير وعلى الله التدبير.

 

أكسسوارات… تعقيم للجيوب

 

صحيح أن الحجر المنزلي في زمن الكورونا قد وفّر على المحجورين الكثير من المصاريف اليومية التي كانت تثقل عليهم سابقاً مثل البنزين و»الباركينغ» وتناول الطعام في الخارج وغيرها… لكنه لم يخفف المصروف عن كاهل اللبناني بل حوله في اتجاه آخر بعد ان حلت اكسسوارات الكورونا محل كل ما عداها من كماليات. وفي حين كان اللبناني يتلذذ في الإنفاق على الكماليات يجد نفسه اليوم مضطراً وعلى مضض أن ينفق على امور يتمنى ان يحل اليوم الذي يستغني عنها فيه.

 

في حساب صغير حول ما تنفقه عائلة مؤلفة من أربعة اشخاص اسبوعياً على وسائل التعقيم والحماية يتبين لنا ما يأتي:

 

زجاجة السبيرتو الصغيرة سعة 250 مل والتي تكفي لأسبوع واحد إذا اعتبرنا استخدامها لتعقيم اليدين والسطح وكل ما يدخل البيت من أغراض يبلغ سعرها 6000 ل. ل.

 

أما معقم اليدين الصغير الحجم الذي يحتاجه كل فرد من العائلة فتبلغ كلفة العبوة الواحدة منه حوالى 3000 ل.ل. وإذا ضربناها باربعة يصبح المجموع 12000ل.ل فيما سعر علبة الـ wet wipes الفردية يتراوح ما بين 3000 و 7000 للماركات المعروفة ويحتاج كل فرد الى عبوة اسبوعياً لتنظيف هاتفه وكمبيوتره ونظاراته ما يجعل كلفتها الأسبوعية حوالى 12000ل.ل

 

الكمامة الواحدة يبلغ سعرها 2000 ل.ل وكل خروج من المنزل يستدعي أقله اثنتين. وما بين مشاوير السوبر ماركت والصيدلية و»الطلة على الشغل» تحتاج العائلة اقله 15 كمامة في الأسبوع اي ما كلفته 30000 ل.ل. هذا إن لم تضطرها ظروفها الصحية لاستخدام الكمامات المتطورة ذات الفلتر التي تبلغ كلفة الواحدة منها ما بين 9000 و 13000 ل.ل. علبة القفازات يدور سعرها حول 16000 ل.ل وقد زادت وتيرة استخدامها وبالكاد باتت تكفي العائلة لأكثر من أسبوع. أما السبراي المعقم الذي يرش في الأجواء وعلى الملابس والأسطح وعلى أرجل الحيوانات الأليفة فيصل سعر العبوة ذات النوعية الممتازة منه الى 21000 ل.ل

 

وهكذا يتضح لنا أن العائلة العادية، غير المصابة بذعر العدوى ووسواس التعقيم، باتت تنفق اليوم بأقل تقدير حوالى 97000 ل.ل أسبوعياً على وسائل التعقيم اي 388000 ل.ل شهرياً وهذا ما يقتضي ربما تعقيم الجيوب الفارغة بعد انتهاء الحجر بإذن الله.