Site icon IMLebanon

الكورونا وأسواق النفط

 

تؤثر الكورونا على كل شيء. فقد وحّدت العالم في واقعه ومستقبله، ولم يعد يهم أين تعيش وكيف تعيش إذ إن المصير واحد. غيّرت الكورونا العالم أجمع وهنالك قطاعات ستخسر الكثير وأخرى ستتعزز وتنهض وتتطور.  من القطاعات التي ستخسر هي حكما النقل وخاصة قطاع الطيران السياحي الذي سيخسر العمالة والمبيعات والوظائف. عرف قطاع الطيران نموا لا مثيل له في العقود القليلة الماضية وأصبح العالم أقرب في الواقع والحضور وليس عبر الأنترنت والاتصالات. قطاع الأعمال العالمي سيتواصل اليوم أكثر فأكثر عبر الحواسب والاتصالات وأقل عبر الحضور الشخصي الذي ميز العلاقات الاجتماعية والعملية والعلمية في العقود الماضية.

 

كان رجال أو سيدات الأعمال يتنقلون مثلا بين باريس ومدريد لعقد اجتماع عمل ويعودون الى منازلهم في آخر النهار، أي مجموع 7 ساعات خارج المكتب.  أما اليوم فستتم الاجتماعات بين كل فريق من مكتبه عبر الحواسب والأنترنت ولا ضرورة للتنقل.  بين 7 ساعات وساعتين هنالك فارق كبير في الوقت بالاضافة الى التعب والجهد والفعالية الأساسية. تكنولوجيا الاتصالات والحواسب تتطور لتسمح بهذا التغيير الكبير المؤثر على العمل من بعد أي من المنزل، وبالتالي مهم جدا. لا نقلل أبدا من أهمية التواصل الشخصي المباشر الذي تبقى له تأثيرات كبرى، لكن عوض 5 اجتماعات مباشرة في السنة كما كان يحدث سابقا، اجتماع واحد ربما يكفي اليوم.  ينطبق هذا الواقع على كل الاجتماعات بما فيها السياسية والأمنية وغيرها.

 

أثرت وتؤثر الكورونا على أسواق النفط بشكل كبير وفي جانبي السوق أي العرض والطلب. ينتقل التأثير بالتالي الى الأسعار التي تؤثر بدورها على تكلفة النقل وانتاج السلع والخدمات. هنالك تأثير كبير على أسواق النفط لم نعتد عليه في الماضي، أي تحديدا عبر الأمن وسلامة النقل والعلاقات السياسية والاقتصادية الدولية.

 

أولا: أسعار النفط متدنية بالرغم من كل التشنجات السياسية والأمنية في الخليج وبين الولايات المتحدة وايران تحديدا. بالرغم من مرور كميات كبيرة من النفط عبر مضيق هرمز، لم تتأثر الأسعار صعودا بل العكس وهذا جديد. في العقود الماضية، كان أصغر خطر محتمل في النقل يشعل الأسعار ويوتر الاقتصاد ويدفع الجميع بما فيها الأمم المتحدة الى التدخل. كيف نفسر انخفاض الأسعار واشتعال السياسة. هنالك من يقول بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح باقفال المضيق وستتدخل، وبالتالي التهديدات الايرانية لن تتحقق. لذا لا تأثير على الأسعار وربما تأثير سلبي. هنالك توقعات سياسية تؤثر على التصرفات وتعطل عمليات العرض والطلب الأساسية.

 

ثانيا: هنالك عوامل مهمة في الطلب أتت من مصدرين. أولهما في الزمن، انحدار النمو الصيني الى مستويات لم نشهدها من قبل. من المتوقع أن ينخفض النمو الصيني من 6.1% في سنة 2019 الى 1.2% هذه السنة وربما أقل أو حتى يكون سلبيا. فالصين هي الدولة الأهم في الطلب العالمي على النفط وبالتالي انخفاض طلبها يؤثر سلبا على الأسعار. العامل الثاني الأهم في التأثير أتى لاحقا هو الكورونا التي عطلت الطلب على كل شيء وتحجزنا في منازلنا كالمساجين تقريبا كما تمنع الناس من الاختلاط والزواج والاحتفالات وغيرها.  سلطة الفاتيكان منعت الزواج للأشهر التسعة المقبلة، وهذا ربما يحصل لأول مرة في التاريخ.

 

أما في الدول الأخرى، فالنمو هذه السنة سيكون بين صفر وسلبي أي ربما سلبي 6.1% لمجموعة الدول الصناعية وسلبي 1% لمجموعة الدول النامية والناشئة. أخطر فترة اقتصادية نمر بها اليوم منذ أزمة 1929. أما البطالة، فستصل هذه السنة الى مستويات جديدة وخطيرة بالنسبة للاستقرار الاجتماعي ومستقبل الشعوب.  من المتوقع أن تصل نسبة البطالة الى 11% في كل من منطقة اليورو وفي الولايات المتحدة، 4.1% في أسيا، 15% في البرازيل، 17% في ايران و11% في مصر.  جميع هذه الأرقام مرشحة لأن تسوء، اذ أننا لم نصل بعد الى منتصف السنة والكورونا تتنقل بحرية بين الدول.

 

ثالثا: هنالك حرب قوية ضمن مجموعة الدول المصدرة للنفط أي الأوبيك، كما بينها وبين الدول النفطية خارجها.  داخل الأوبيك، النفوذ القوي هو طبعا للمملكة العربية السعودية التي توجه حصص الانتاج العام حفاظا على الأسعار. في الانتاج العالمي، تنتج الأوبيك نحو 41.5% من المجموع.  اذا أضفنا الدول العشرة خارج المجموعة أي روسيا وغيرها يصبح الانتاج 60% من الانتاج العالمي. اذا السعودية عبر الأوبيك وروسيا يسيطرون عمليا على سياسات الانتاج النفطي وخاصة على النفط المتجول عالميا. هنالك اليوم صراع اقتصادي سياسي بين المملكة السعودية وروسيا أنتج اتفاقا جديدا يؤثر سلبا على أسعار النفط بسبب واقع السوق. ضمن الأوبيك تحصل السعودية على 31% من الانتاج والباقي موزع على الدول الأخرى. في الاحتياطي النفطي، تبقى فنزويلا في المرتبة الأولى ثم السعودية وايران والعراق. فرديا تعتبر الولايات المتحدة الدولة الأكثر انتاجا للنفط قبل السعودية وروسيا وكندا وايران، ولكن ليس الأكثر تصديرا لحاجتها للسلعة في انتاجها الداخلي. لا ننكر وجود مصادر نفط جديدة اليوم مهمة في البرازيل وكندا والنروج تضغط سلبا على الأسعار.

 

رابعا:  معادلة الطلب/العرض تنتج انخفاضا واضحا في الأسعار بالرغم من الأوضاع السياسية العالمية. نتيجة انخفاض الطلب الدراماتيكي والتنافس في العرض للحصول على الايرادات الضرورية لتمويل الموازنات خاصة في الخليج، يحصل انخفاض كبير في سعر برميل النفط. لا ترغب به الولايات المتحدة لأنه يعطل انتاج النفط الصخري، لكنه مفيد لبعض القطاعات الانتاجية داخل الماكينة الأميركية. لا شك أن تقلبات أسعار النفط كبيرة وستبقى كذلك لأن العرض والطلب لا يتمتعان بالمرونة الكافية تجاه الأسعار. في أسواق كالنفط، تقلبات الأسعار الكبيرة طبيعية وتعود لأهمية السلعة نفسها. في توقعات صندوق النقد الدولي، سينخفض معدل أسعار النفط عالميا 42% هذه السنة مع توقعات بالارتفاع 6.3% في 2021.

 

خامسا: هنالك عوامل كبيرة مهمة تؤثر على أسواق النفط ومنها العلاقات الدولية، الاجراءات البيئية اذ يهتم العالم أكثر فأكثر بنظافة البيئة وبياضها. يبتعد العالم أكثر فأكثر عن الفحم والنفط ويلجأ الى الغاز والشمس والهواء والمياه وحتى الى النووي السلمي. كما هنالك تأثير كبير للاستثمارات في الاكتشافات النفطية ومنها الأميركية التي تقيم بالمليارات في انتاج النفط الصخري. لا يمكن أن نهمل دور التكنولوجيا أي المستقبل في الانتاج والنظافة والنقل والاستعمال والاستهلاك. ما هو دور الكورونا هنا؟ مجددا في جانبي السوق. في الطلب المنخفض والاستهلاك الخفيف، ينخفض مستوى التلوث وهذا جيد حيث نرى سماء المدن أبيض في بعضها وأقل سوادا في بعضها الآخر.  من ناحية أخرى ونظرا لأهمية الكورونا، خف اهتمام الدول بالاصلاحات الضرورية المنظفة للبيئة اذ إن الاهتمام المباشر بالأمراض والانسان يفوق كل شيء. مجددا الكورونا مؤثرة جدا في كل الجوانب.

 

أسعار النفط اذا منخفضة وستبقى كذلك، فمن يستفيد؟  المستهلك العالمي والاقتصاد الدولي من ناحية تكلفة الانتاج كما قطاع التأمين في زمن الكورونا حيث ينشغل العالم بالصحة ويبتعد عن الحروب. من يخسر من الأسعار؟ الدول المنتجة حتما كما الولايات المتحدة حيث تخف المصلحة في استثمار وانتاج النفط الصخري. ترغب الولايات المتحدة في تطوير نفطها الصخري لتقوض قوة الأوبيك وتسيطر على أسواق النفط العالمية. فايران مثلا لا يمكنها أن تهدد أميركا بأسعار نفط عالية اذ يدفع الأخيرة الى انتاج النفط الصخري وبالتالي الى التأثير سلبا على الأسعار. حاليا، أسواق النفط هي صديقة ترامب وأميركا وعدوة ايران أي عكس ما يعتقد البعض.