Site icon IMLebanon

مواجهة الكورونا في الدول النامية

 

لا شك أن الكورونا تصيب الدول النامية والناشئة بقساوة كبيرة لا تعرفها الدول الصناعية لأن الامكانات المادية والبشرية أقل، كما أن الجهوزية أضعف بكثير.  في 11\3 سمّت منظمة الصحة العالمية فيروس الكورونا وباء أي ينتشر في مجتمعات لا تحتوي على المناعة الكافية كما الجهوزية الضرورية. الانتقال الجغرافي للفيروس خطير أي لا حدود له، بالرغم من ان الاصابات لا تكون بالضرورة مميتة.  الانتقال الجغرافي هو ما يهم الأمم المتحدة ومنظمتها الصحية المعروفة. هنالك أمراض معدية كثيرة سابقة مشابهة للكورونا لكن ليس بالخطورة نفسها باستثناء «الأنفلونزا الاسبانية» التي حصلت بين سنتي 1918 و1920 وذهب ضحيتها عالميا 2% من سكان الأرض أي ما يعادل 150 مليون شخص اليوم وهذا من الصعب قبوله.

 

أثرت الانفلوانزا الاسبانية كثيرا على الاقتصاد العالمي حيث انخفض الناتج 6% والاستهلاك 8%، كما أن ارباح الشركات تحولت الى خسائر.  كذلك الأمر بالنسبة لكافة البورصات العالمية. خطورة انفلونزا القرن الماضي انها حصلت على 3 مراحل أي ربيع 1918، بين أيلول 1918 وكانون الأول 1919 وهي كانت الأكثر خطورة وبين شباط 1919 وحزيران 1920.  هذا يعني أن عدم الجدية في الوقاية يكرر الاصابات ويرفع من تكلفتها على الاقتصادات والمجتمعات. قتلت الأنفلونزا الاسبانية شخصيات كبيرة بينها «ماكس ويبير» العالم الاجتماعي و«فريديريك ترامب» جدّ الرئيس الأميركي الحالي. لا تردع هذه الإصابة الأخيرة الرئيس الأميركي على ما يبدو من محاولة دفع الاقتصاد الأميركي الى العمل والانفتاح مجددا.

 

الامكانات المادية والواقعية للحجر الصحي ضعيفة في الدول النامية كما أن امكانيات المعالجة قليلة أو بدائية في بعض الأحيان. التجهيزات الصحية غير متطورة كما أن القدرات البشرية غير جاهزة لمواجهة عدو خطير كالكورونا.  المحزن أن في بعض الدول النامية ومنها في عالمنا العربي لا تمكن البنية التحتية المواطن من غسل اليدين مع الصابون كما يجب أن يكون الحال لمواجهة الكورونا. غسل اليدين ضروري ويجب أن يحصل مرات عدة في النهار. لكن اذا لم تكن المياه متوافرة، ما العمل؟ الشباب معرضون كثيرا للاصابة من الكورونا لأنهم يتحركون، لكن المسنين تكون اصابتهم مميتة اذا حصلت وبالتالي يجب ان يتجنبوا الاختلاط. ليست هنالك احصائيات دقيقة اليوم حول عدد الاصابات لأن الانتشار كبير وسريع والاختبارات غير متوافرة أو محدودة جدا في أفضل الأحيان. هنالك استسلام في الدول النامية أمام قوة الكورونا التي يمكن أن تزحف الى المنازل والقطاعين العام والخاص. في الحقيقية لم تواجه الدول النامية بعد خطر الكورونا الذي ما زال يفتك بأوروبا وأميركا لكن التحدي قادم حتما.

 

في معظم الدول النامية هنالك أمراض موجودة أصلا لم تعالج كليا بعد. أتت الكورونا لتضيف مشكلة فوق مشاكل سابقة. عندما يكون الانسان ضعيفا وذو صحة متردية، لا يمكن له أن يقاوم الكورونا أو غيرها. هنالك مثلا أكثر من 25 مليون أفريقي مصابين بمرض «الأيدز» وملايين مصابة بالملاريا وغيرها. لم تحسم المواجهة بعد مع هذه الأمراض وغيرها لضعف الامكانات وتوسع الاصابات. لذا الكورونا تعمق المشكلة الصحية وتضرب العمر المرتقب ونوعية الحياة. من الصعب جدا في تجهيزات سكنية صغيرة تحقيق البعد المنزلي لأن الاكتظاظ كبير وخطير ويسرع انتشار الفيروس في الدول النامية. في المنازل الصغيرة في أفريقيا وغيرها، ينام أفراد العائلة في غرفة واحدة وبالتالي من المستحيل طرد الكورونا من المنزل فتفتك بالجميع. الحجر المنزلي الذي نمارسه في لبنان مثلا غير ممكن في بعض الدول العربية الفقيرة كما في أكثرية الدول الأفريقية والآسيوية.

 

اقتصاديا الدول النامية مرتبطة الى حد بعيد باقتصاديات الدول الصناعية اذ تبيعها منتجاتها وموادها الأولية. لذا تتأثر هذه الدول بتردي الأوضاع في أوروبا وأميركا وبالتالي تتردى صحتها الاقتصادية كما مناعتها في مواجهة الكورونا وكافة التحديات الصحية. كما أن الاقتصادات النامية غير مجهزة تكنولوجيا، وبالتالي العمل من المنزل أصعب وأكلف لغياب الاتصالات المتطورة والأنترنت السريع وغيرها من تقنيات التواصل المتطورة. المشكلة الكبرى في ما يخص الكورونا هو أن المعالجة تقتضي الحجر المنزلي، لذا التكلفة الاقتصادية لا بد وأن تكون كبيرة.

 

حكما الصحة أهم من الانتاج، لكن العلاقة بينهما كبيرة وقوية خاصة على المدى البعيد. هنا يكمن قلب المشكلة اذ عامل الوقت غير معروف وبالتالي التكلفة غير معروفة ولا يمكن تقديرها خاصة في غياب المعالجات الطبية والاستشفائية المناسبة. لا يمكن التراخي بشأن العزل المنزلي، اذ إن الفيروس يمكن أن يصيب مجددا وبالتالي الوقاية الجدية ضرورية بالرغم من تكلفتها المرتفعة. كلما كانت الوقاية قاسية والحجر المنزلي جدي، كلما كانت التكلفة الاقتصادية الآنية كبيرة أي الركود والبطالة.  هنا يكمن قلب المشكلة المزعجة، لكن الخيار واضح وهو مع الحفاظ على الانسان وصحته خاصة على المدى الطويل.

 

ما هي السياسات التي يمكن أن تطبق لمواجهة الكورونا؟

 

أولا: السياسات الصحية حيث جميعها يهدف الى الحد من انتشار الفيروس علما ان لا الطعم ولا العلاج متوافران بعد وبالتالي ما بفيد هو وضع حدود أو حواجز أمام انتشار المرض.  لذا عدم التنقل وتجنب الاختلاط والبقاء في المنزل والعمل منه، كلها سياسات تجنب انتقال الفيروس ولا تواجهه. هنالك تقصير طبي كبير في مواجهة هذا الفيروس اذ إن أموال البحث والتطوير على مدى عقود ماضية أنفقت على أمور أخرى ربما يكون الربح المادي وراءها. السلاح لمواجهة الكورونا غير موجود عمليا اليوم. لذا تتجهز المستشفيات بما يمكنها لاستقبال المرضى في غرف العناية الفائقة وغيرها من الغرف كما تعتمد ليس فقط على الكفاءات الموجودة انما تستقدم المتقاعدين في العديد من الدول لأن الطاقات العاملة غير كافية.  المفرح هو تجاوب الجميع لمواجهة هذا العدو الخطير.

 

ثانيا: السياسات الاقتصادية لمواجهة الانحدار الكبير الناتج عن تدني الطلب والعرض في نفس الوقت، وبالتالي حصول بطالة كبيرة وامتداد للفقر في كافة أنحاء الدول النامية.  يتدنى الطلب الاستهلاكي على كل شيء مع التزام الحجر المنزلي.  يتدنى العرض لأن العامل لا يمكنه الذهاب الى المصانع اذ يقفل بعضها وبالتالي يخف الانتاج العام حكما. ترتفع البطالة عالميا مع ما يترافق من مشاكل اجتماعية ونفسية ومادية في غاية الخطورة والعمق.

 

ثالثا: السياسات الاجتماعية حيث يجب على القطاع العام أن يتدخل لمساعدة الأسر الفقيرة.  البرامج الاجتماعية ضرورية والتضامن العالمي حولها أكثر من ضروري خاصة تجاه الدول النامية التي تفتقد الى القدرات التي تسمح لها بمساعدة الفقراء لديها. المساعدات ضرورية كي تلتزم الأسر الحجر المنزلي ولا تضطر الى العمل في الأسواق لجني بعض الدخل الضروري للعيش. يمكن للتمويل أن يأتي من الموازنات العامة كما من التبرعات وقد شاهدنا العالم الفني يبذل جهده في المساعدة عبر نشاطات ممتازة تصدر من المنازل بتنسيق مدهش يقوم به الفنانون كما التقنيون. تقوم الشركات أيضا كما المتمولون بجمع التبرعات للمساعدة أملا أن تكون الرقابة دقيقة حول الانفاق بحيث لا تضيع الجهود وتهدر الأموال.

 

في الدول النامية يكون أحيانا الخيار أمام المواطن بين امكانية موت 10% اذا ذهب للعمل في السوق أو المصنع نتيجة الاختلاط، أم البقاء في المنزل والجوع. في الحقيقة يختار الامكانية الأولى وهذا مؤسف.  لذا يجب مساعدة المواطن ماديا كي يستطيع اختيار الامكانية الثانية أي الحجر من دون الجوع. يجب اعطائه المساعدات الضرورية للاستمرار والانتظار ربما طويلا.