نحو نصف الفحوص الإيجابية تحمل المتحوّر الجديد
عملياً، يمكن التكهّن بأن المتحوّر الذي سيغلب وجوده في المرحلة المقبلة في لبنان هو متحور «دلتا». بات هذا الأمر واقعاً مع بدء تسجيل إصابات بهذا المتحور بين الوافدين والمقيمين على حدّ سواء، فيما الخيار الوحيد المتبقي للمواجهة هو في تكثيف حملات التلقيح التي لم تحقق إلى الآن المطلوب، رغم نجاحها. فحتى اللحظة، لا يزال عدد متلقّي اللقاحات، بين جرعة أولى وثانية، بحدود 950 ألفاً، فيما يكمن ضعف التلقيح في الفئة العمرية الشابة نسبياً، وهي الفئة التي قد تغيّر الموازين في عدّاد الإصابات
أمس، كانت المرة الأولى التي تنشر فيها وزارة الصحة العامة أعداد المصابين بالمتحور الهندي (دلتا)، بعد أيام على تأكيد مختبرات الجامعة اللبنانية ووحدة الترصّد الوبائي في الوزارة «وصوله» إلى لبنان. في أول الأرقام، سجل متحور دلتا 46 حالة مثبتة، إلى الآن، من دون أن يكون هذا الرقم نهائياً أو ممثلاً للواقع الوبائي الحالي، وما سيكون عليه تالياً. في المبدأ، يمكن «تشريح» الرقم كالتالي: في الأيام الثلاثة الأولى من الجاري، بلغ عدد الفحوص الإيجابية بين الوافدين عبر مطار بيروت الدولي 87، من بين تلك الأرقام، كان ثمة شكّ بـ65 فحصاً، لناحية أن «بروفايل» تلك الحالات كان أقرب إلى «دلتا» منه إلى متحورات أخرى. وفي هذا السياق، أجريت في مختبرات الجامعة اللبنانية فحوص مخبرية لـ47 فحصاً إيجابياً من أصل الـ65، فكانت النتيجة ثبوت «دلتا» في 46 منها، على أن تصدر اليوم نتائج الفحوص الـ18 المتبقية. وبموازاة ذلك، تجري مختبرات الجامعة اللبنانية اختبارات للفحوص الإيجابية المشكوك فيها، والتي تعود للفترة الواقعة بين أيار والشهر الجاري، لتثبيت النتائج… وإن كان ثمة يقين لدى معظم العاملين في المختبرات بأن الفحوص «ستأتي لتؤكد المؤكّد». وفق التقديرات اليوم، يشير عميد كلية العلوم في الجامعة اللبنانية، البروفسور بسام بدران، إلى أنه يمكن القول إن نصف الفحوص الإيجابية التي تُسجل «تحمل متحور دلتا»، من دون أن يعني ذلك أن هذه النسبة ثابتة، «فإذا كان اليوم عم يفوت 10 أشخاص، 5 منهم دلتا، ممكن في الأيام المقبلة تصير النسبة 6 أو 7 أو حتى 9 دلتا»، وهذا ما يؤشر إلى أن هذا المتحور بات هو الغالب في معظم دول العالم.
الوصول إلى موجة ثالثة حتمي إذا استمر التقلت على حاله (هيثم الموسوي)
استناداً إلى الأرقام المثبتة إلى الآن، بات بالإمكان رسم خريطة، ولو مصغّرة، للواقع الحالي. إذ أن الإصابات، بحسب بدران، خرجت من نطاقها الضيق، وباتت تتوزع في عدد من المناطق. ويمكن، في هذا السياق، التحدث عن وجود إصابات بالمتحور الجديد في مناطق «صور والنبطية وصيدا وحارة حريك وبيروت وجل الديب وجبيل وجونيه وراشيا». لا يعني ذلك أن بقية المناطق، ومنها مثلاً بعلبك – الهرمل وطرابلس وعكار، لا إصابات فيها، لأن «جزءاً من الفحوص يُجرى في مستشفى بيروت الحكومي ومختبرات تتعاون معها وزارة الصحة العامة، ولم تعد تأتي إلى مختبرات الجامعة اللبنانية». ماذا يعني ذلك؟ يمكن الخروج هنا بخلاصتين أساسيتين، أولاهما أن الفيروس ينذر بخروجه من الدائرة الضيقة إلى مرحلة الانتشار، وإن كان «من المبكر الحديث عن انتشار بمعنى الذروة»، والثانية، وهي الأكثر إثارة للقلق، فهو الخروج من خانة «الوافدين» في تسجيل الحالات الجديدة من دلتا إلى خانة «المحلي». وما يعزّز هذا القلق تسجيل حالات إيجابية كبيرة بين الوافدين أخيراً. الخوف الآخر هو من الصيف أيضاً وإجراءات مطار بيروت الدولي التي لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، إذ لم يُتخذ أي إجراء عملي حتى اللحظة للتخفيف من الزحمة… سوى القرار اليتيم بمنع دخول المواطنين إلى القاعات. وهو ما يعني عملياً، نقل الزحمة إلى الباحات الخارجية!
اليوم، تصل الأعداد ما بين الذهاب والإياب في مطار بيروت الدولي إلى حدود 11 ألفاً يومياً، أي بمعدل لا يقل عن 450 شخصاً في الساعة، يضاف إليهم مئات آخرون من المستقبلين والمودعين، فيما الإجراءات لا تزال قاصرة عن مواجهة الفيروس. وفي هذا السياق، يشير بدران إلى أن أعداد الفحوص اليوم تُراوح بين 3 آلاف فحص في المطار وتصل إلى حدود 7 آلاف فحص، خصوصاً أيام الخميس، التي تصادف أيام تعطيل في معظم دول الخليج. وهذا ما يؤشر إلى إمكانية ارتفاع أعداد الحالات الإيجابية، ما يعزز التحدي، خصوصاً أن «مش كل العالم عم تلتزم بإجراءات الحجر».
الإصابات بالمتحور «دلتا» خرجت من نطاقها الضيق وباتت تتوزّع في عدد من المناطق
وما يضاعف «الخيبة» هنا هو ما يتحدث عنه البعض من تزوير نتائج الفحوص في الخارج «وفي دول محترمة جداً». ولئن كان يمكن تدارك تلك الأزمة من خلال إعادة الفحوص في المطار، إلا أن ما يفوت تداركه هو إفلات المصاب من الحجر الصحي في الساعات التي تلي وصوله. وهو ما يحتم عودة بعض الإجراءات التي رافقت المرحلة الثانية من الفيروس، بحيث يصبح الحجر إلزامياً ومراقباً، مع تفعيل مراكز الحجر الصحي. أما ما يجري اليوم، فهو على الشكل التالي: تبلغ المختبرات المصابين، كما وحدة الترصد الوبائي في وزارة الصحة العامة لإجراء الاتصالات الضرورية مع المعنيين والمحيطين بالمصابين لإجراء الفحوص ومتابعة الحجر الصحي. لكن، ذلك لا يزال قاصراً عن تأمين «الحماية اللازمة».
وبحسب المصادر الطبية، واستناداً إلى الواقع الحالي، «وفيما إذا استمرت الإجراءات على حالها، فإن الوصول إلى موجة ثالثة يصبح حتمياً»، على ما يقول رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري. ولئن كان الأخير لا يضرب موعداً لتلك الذروة، بانتظار ما سيسلكه مسار التلقيح، إلا أن البعض يضع بعض التصورات استناداً إلى التجارب السابقة التي مرت. هكذا، مثلاً، يشير رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، إلى أنه «إذا بقيت الأمور على حالها، فإن شهر أيلول ستُسجل فيه أعداد كبيرة من الإصابات». وهو ما يقوله أيضاً بدران، مستنداً إلى السيناريو الهندي الذي بدأت ذروته بعد شهرين ونصف شهر من تسجيل الإصابات بالمتحور.
مع ذلك، يبقى ثمة طريق للنفاذ: بالتلقيح، يقول البزري، مشيراً إلى أن الوزارة واللجنة الوطنية بدأتا بوضع خطط لتفعيل التلقيح وزيادة أعداد الملقّحين. ويلفت إلى أن هناك توجهاً لتثبيت التلقيح المختلط، للاستفادة قدر الإمكان من الجرعات الواصلة من اللقاحات. وإذ يلفت إلى أن عدد الملقّحين اليوم بات بحدود 21% ما بين جرعة وجرعتين، إلا أن المطلوب «أكثر»، بحسب مصادر وزارة الصحة العامة. وبالأرقام، واستناداً إلى داتا الرابع من الجاري، بات عدد الملقّحين (بين جرعة أولى وثانية) حوالى المليون، أما عدد الجرعات فقد بات بحدود مليون و400 ألف. بالتفصيل، تشير الأرقام إلى أن الملقّحين ممن تبلغ أعمارهم 50 عاماً وما فوق، بلغ عددهم حوالى 650 ألف ملقّح. أما ما دون الخمسين عاماً، فقد بلغ 300 ألف ملقّح، وهو رقم ضعيف نسبياً، بحسب المصادر، إذ أن «عدد الأشخاص ضمن هذه الفئة العمرية كبير نسبياً، فيما عدد الملقّحين قليل»، وهو ما يعزز الخوف، ولا سيما لناحية أن «الذين يصابون عادة بالفيروس هم الأشخاص الذين يتحركون بشكل دائم وغالبيتهم ضمن هذه الفئة العمرية».
على جانب آخر، لا يزال الإقبال على لقاح أسترازينيكا ضعيفاً، بحسب مصادر وزارة الصحة، إذ أنه من أصل عدد الملقّحين، فإن من تلقوا لقاح أسترازينيكا هم 160 ألفاً، منهم 50 ألفاً تلقوا جرعتَي اللقاح فقط. 100 ألف ضمن فئة الخمسين عاماً وما فوق و60 ألفاً ما دون الخمسين عاماً. مع ذلك، يعوّل المعنيون على الفترة الحالية التي تشهد إقبالاً في التسجيل على المنصة، حيث تشير المعطيات إلى أن عدد المسجلين منذ أسبوع تقريباً يشهد ارتفاعاً، وقد وصل أول من أمس إلى 18 ألفاً في اليوم، وإلى الآن، بات عدد المسجلين إلى الآن مليوناً و892 ألفاً. من هنا، فإن العمل حالياً يجري «على تكثيف حملات التلقيح»، على ما يقول البزري، انطلاقاً من أن هذا الخيار هو الوحيد في المواجهة، «حيث تثبت اللقاحات فعّالية في مواجهة متحور دلتا، وتصل بحسب بعض الدراسات الفعّالية إلى 88% في حالة متلقّي لقاح فايزر وكذلك الحال بالنسبة إلى لقاح أسترازينيكا بحدود 83% وجونسون أند جونسون وغيرها من اللقاحات».