الصدفة وحدها قادت لارا إلى إجراء فحص الـpcr. لم يكن في بالها أبداً أن تخرج من هناك بنتيجة «إيجابية»، خصوصاً أنها «محصّنة» بجرعة لقاح… وإصابة سابقة. وهذه بالنسبة إليها «مقوّمات» كفيلة بالحؤول دون إصابتها مجدداً. إلا أن هذا الاعتقاد لا ينطبق على الواقع، حيث أثبتت الدراسات العلمية والطبية أن اللقاح، مهما كان نوعه، لا يمنع الإصابة، وإنما يخفّف من ثقل عوارضها. وهذه «حقيقة ثابتة»، بحسب عميد كلية العلوم في الجامعة اللبنانية الدكتور بسام بدران.
وفي أحدث صورة لهذه «الحقيقة»، أعلن المدير العام لمستشفى بيروت الحكومي الدكتور فراس الأبيض، أول من أمس، إصابة ستة عاملين صحيين «أربعة منهم كانوا قد تلقّوا جرعات اللقاح كاملة»، محذراً من أن «من تلقوا اللقاحات لا يزالون عرضة للإصابة بالفيروس».
إلى الآن، لا دراسات كافية في لبنان لتقييم هذه الحقيقة، إذ يحتاج الأمر إلى فترة زمنية طويلة نسبياً قبل الخروج بنتائج راسخة. مع ذلك يمكن الاستناد إلى أربعة نماذج رصدتها وتابعتها مختبرات الجامعة اللبنانية، وهي كالآتي: إصابة كانت قد تلقّت جرعة واحدة من لقاح «أسترازينيكا»، وأخرى تلقّت جرعة واحدة من لقاح «فايزر»، واثنتان تلقّتا جرعتين كاملتين من «فايزر». ما تبيّن في الحالات الأربع، بغضّ النظر عن نوعية اللقاح، هو «أن العوارض كانت أشبه برشح خفيف في الحالتين اللتين تلقتا جرعة واحدة»، على ما يقول بدران، «فيما الحالتان اللتان تلقّحتا بالكامل لم تظهر لديهما أي عوارض»، وهذا بحسب أستاذ العلوم البيولوجية في الجامعة اللبنانية والمسؤول الميداني لفحوص الـpcr في مطار بيروت، الدكتور فادي عبد الساتر، يتعلق «بالمناعة التي تختلف بين شخصٍ وآخر، وإن كانت العوارض في المجمل أخفّ بكثيرٍ ممن لم يتلقوا اللقاحات». أما بالنسبة إلى فترة الشفاء، فقد كانت فرصة الوصول إلى «الخانة السلبية» أسرع بكثير مما هي عليه بلا لقاح. وفي هذا السياق، يشير بدران إلى أن الشفاء من الفيروس لدى من تلقّوا لقاح «فايزر» يراوح بين 4 و6 أيام، وبين 7 و8 أيام لمن تلقوا «أسترازينيكا»، مع الإشارة إلى أن «البعض منهم قد تلقى جرعة واحدة من اللقاح». ماذا يعني ذلك؟ يعني أن «اللقاح يحمي»، وفق عبد الساتر، موضحاً أن «اللقاح ليس هدفه منع الإصابة، وإنما التخفيف من تكاثر الفيروس داخل الجسم».
من هم الأكثر عرضة؟ «الكل»، يؤكد عبد الساتر، خصوصاً أن العامل الحاسم في التقاط العدوى هو «عدم التزام الإجراءات الوقائية من الكمامة إلى التعقيم إلى التباعد الاجتماعي». لذلك، لا تزال هذه الإجراءات مطلوبة، وإن كان الناس يُظهرون تفلّتاً منها، يبدو واضحاً في التخلي عن الكمامة وفي ازدحام المسابج والمقاهي والشوارع وقاعات المطار. وفي هذا السياق، يلفت عبد الساتر إلى أنه «في إسرائيل، التي كانت الـmodel للقاح فايزر بعدما شهدت أكبر نسبة تلقيح، أعادت سلطاتها الصحية فرض الإجراءات الوقائية في الأماكن المكتظة بسبب عودة عدّاد الإصابات إلى الارتفاع». وهذا السيناريو قد يتكرر في لبنان «بسبب الفكرة الشائعة لدى كثيرين بأن اللقاح يمنع الإصابة». أما الأدقّ، فهو أن «اللقاح يحمي منها»، يشدد بدران، على اعتبار أن «كمية المضادات التي يمنحها، إضافة إلى الخلايا المناعية في الجسم، قادرة على حماية الأشخاص». لهذه الأسباب، تُجمع المصادر الطبية على ضرورة أخذ اللقاحات، ووصل الأمر حد الطلب بأن يصبح اللقاح إجبارياً، على الأقل لمن هم أكثر عرضة للإصابة. وفي هذا السياق، يشير عبد الساتر إلى أهمية الاستفادة من اللقاحات الآتية للتخفيف من نسب الدخول إلى المستشفيات. وهذا عامل أساسي في مرحلةٍ بات فيها القطاع الصحي على شفير الهاوية.