Site icon IMLebanon

العمل والتعليم بعد الكورونا

 

 

لم تكن الكورونا فقط مشكلة صحية بل كان لها امتدادات اجتماعية مهمة ربما تكون طويلة الأمد.  كانت لها تأثيرات على البحث الطبي وعلى طريقة تعاطي وزارات الصحة مع جائحات مستقبلية.  تغييراتها الاجتماعية الأساسية كانت في قطاعي العمل والتعليم بحيث لن تعود هذه الخدمات الى ما كانت عليه قبل الكورونا.

قال الاقتصادي «روبرت سولو» أن ركيزتي تحسن مستوى المعيشة هما التقدم التكنولوجي والمعرفة.  أما الاقتصادي «كينيث أررو»، فقال أن المعرفة الآتية من الداخل أهم بكثير من المعرفة المستوردة مركزا على أهمية التطوير والبحوث داخل الاقتصادات.  تختلف المجتمعات فيما بينها على حجم ونوعية المعرفة التي تنبع من الداخل بسبب حيوية قطاع الأعمال حيث قسم كبير من التجدد والاكتشافات ينبع منه.  من الأسباب الأخرى توافر التمويل الكافي كما درجة التعاون بين القطاعين العام والخاص لتوفير البيئة المناسبة للتطوير والتقدم.  قال الاقتصادي «جوزيف ستيغليتز» إن التقدم يُبنى على المعرفة، لذا يجب على الدول النامية أن تطور المعرفة داخلها.  فالمعرفة، في رأيه، لا تفيد الاقتصاد فقط وانما كل المجتمع.

 

تأثيرات الكورونا كانت كبيرة على قطاعي العمل والتعليم.  عندما نتكلم عنهما، نتكلم عندها حكما عن مستقبل الاقتصادات بل أهم عن مستقبل المجتمعات. بالرغم من أن قطاع السياحة العالمي عاد الى سابق عهده خصوصا من ناحية الطيران التجاري والفنادق والملاهي والمطاعم، الا أن قطاعات أخرى لن تعود كالسابق ربما بسبب العادات الجديدة أو لتغييرات كبرى في جانبي العرض والطلب. لا شك أن حربي أوكرانيا وغزة تؤخران تطوير كل الاقتصادات خاصة وأن أجزاء كبيرة من الايرادات العامة العالمية تذهب للتسلح ولانتاج السلع والخدمات المرتبطة مباشرة بالجهود الحربية المكلفة.

هنالك دروس متعددة أتت الينا من فترة الكورونا وتصلح للمستقبل أهمها أن المجتمعات لا تغير بسهولة طريقة عيشها وبالتالي التأقلم مع أوضاع جديدة مفروضة ليس بالأمر السهل مما يرفع التكلفة المادية كما البشرية.  الثقة في أصحاب القرار الصحي والاجتماعي من ناحيتي النزاهة والمؤهلات مهمة جدا وتسهل أو تعقد عملية التأقلم مع الواقع الجديد.  يمكن لهذه الثقة أن تخفف ليس فقط عناء وتكلفة التأقلم مع الواقع الجديد، وانما يمكن أن تخفف أيضا عدد ضحايا الجائحة.

 

علمتنا تجربة الكورونا أن توافر معلومات واحصائيات سريعة كاملة وصحيحة عن الوقائع السابقة والحالية هو في غاية الأهمية لتخفيف الخسائر وتعديل المعالجات عند الضرورة كما للتعلم فيما يخص حصول جائحات كبيرة في المستقبل.  هنالك اعادة نظر دولية في طرق المعالجة والتواصل الاجتماعي ستظهر ايجابياتها في حال وقعت أوبئة مشابهة في المستقبل.  في كل حال، تقييم ما حصل من معالجات ونتائج يبقى ضروريا ومفيدا لتخفيف الخسائر نتيجة أوضاع مماثلة أو مشابهة.

ما هي التغييرات الأساسية في قطاعي العمل والتعليم؟

أولا:  في العمل حيث اعتادت مجموعات كبرى على العمل عن بعد أو من المنزل تحديدا وهذا كان مناسبا لأقسام مهمة من المجتمعات لم تكن تساهم بكل طاقاتها في الانتاج قبل الكورونا.  لا نتكلم فقط هنا عن السيدات بل عن كل من يسكن بعيدا عن عمله وعن ملايين ذوي الحاجات الخاصة المختلفة.  هنالك رغبة اليوم من قبل أصحاب المؤسسات والشركات في العودة الى العمل من المكتب ضبطا للانتاجية وتسهيلا للرقابة الموضوعية العادية.  لا ننكر أن العودة الى الطريقة السابقة سيتطلب بعض الوقت لأن التأقلم ليس من ميزات كل المجتمعات.

ثانيا:  في التعليم حيث هنالك مراجعة لجدوى اقفال المدارس والجامعات في بعض المناطق بسبب الكورونا كما في جدوى التعليم عن بعد بعد تجارب متواصلة لسنوات.  هنالك من يصف واقع التعليم بعد الكورونا بـ«أزمة ضمن أزمة»، اذ ما حصل لم يكن حلولا ناجحة.  من ناحية أخرى، تطورت فعالية التعليم عن بعد من ناحيتي التقنيات والمحتوى وفي طريقة التواصل مع الطلاب.  هنالك نوع من الاجماع على أن الخسائر التعليمية كبيرة بسبب ضعف الرقابة على النوعية كما لأن ليست كل المدن والقرى في نفس الدولة مجهزة بالتقنيات الضرورية المطلوبة.  فالتكلفة التعليمية تنعكس تكلفة اجتماعية.  الخسائر، وان تكن مفروضة، كانت كبيرة بسبب عدم جهوزية المجتمعات خاصة في الدول النامية لمواجهة الكورونا ومفاعيلها. لا بد من الاستثمار في من لحقت بهم الخسائر التعليمية للتعويض لما فيه خير المجتمعات كافة.

مؤخراً بدأت دراسات عديدة تظهر لتقارن بين فعالية التعليم عن بعد والتعليم وجها لوجه في المدرسة أو الجامعة.  هنالك وقائع تدل على أن طلاب التعليم العادي يحصلون على علامات أو درجات أعلى من المتعلمين عن بعد. يمكن أن يعود الفارق الى تقنيات الاتصالات المستعملة كما الى مؤهلات الأساتذة بالنسبة للتعليم عن بعد. هنالك تقديرات احصائية دولية تشير الى أن تغيير طرق التعليم ونتائجها ستؤثر على دخل الطلاب على مدى الحياة.  تقدر خسائر التعليم عن بعد بأكثر من 17 ألف مليار دولار أو 14% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي الحالي، تكلفة باهظة.  في الدول المتوسطة الدخل والفقيرة، 70% من الطلاب يعانون من نقص تعليمي واضح مما ينعكس سلبا على الانتاجية وبالتالي على النمو والازدهار.

هنالك ضرورة لتطوير تقنيات التعليم عن بعد حتى في الزمن العادي. تطوير سرعة الاتصالات والأنترنت هو في غاية الأهمية. من الضروري تأهيل الجهاز التعليمي على الواقع المختلف حتى يستطيع الاداء بفعالية أكبر في الزمن العادي حتى لو لم تحصل مصائب جديدة كالتي عرفناها. هذا مهم جدا للدول النامية وأكثرية الدول الناشئة. هنا تكمن أهمية تعاون كل أجهزة الدول لتحسين وتطوير الاداء كما المطلوب شراكة بين القطاعات الخاصة والعامة في التعليم وفي قطاعات العمل المختلفة.