IMLebanon

هل يشلّ متحوّر “أوميكرون” البلد مجدداً؟

 

موجة أخيرة أم حلقة من دوامة لن تنتهي؟

 

كما كان متوقعاً، شهدت الأيام الأولى من السنة الجديدة، انفجاراً في عدد حالات إصابات كورونا، إذ تخطى عداد وزارة الصحة العامة الـ5000 إصابة يوم أمس الأول، وهو ما يعزز المخاوف من أننا قاب قوسين أو أدنى من احتمال حدوث “تسونامي كوروني” مماثل للسنة الماضية، بحيث تتخطى الإصابات عتبة الـ8 آلاف في الأسبوعين المقبلين.

 

يأتي التصاعد العمودي في عدد الإصابات فيما الإجراءات الوقائية ما زالت خجولة وعلى حالها مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021، في ظلّ حال من الفوضى وعدم الحسم في اتخاذ قرارات حازمة تجنب البلد كارثة هو بغنى عنها لن تطاول مفاعيلها القطاع الطبي وحسب وإنما مختلف القطاعات الحيوية، بما فيها التربوي.

 

رغم تأكيد العديد من الدراسات والمجموعات البحثية أنّ متحور “أوميكرون” يتسبب بضرر أقلّ للرئتين مقارنة بالمتحورات الأخرى، إلا أنه أظهر قدرة هائلة على صعيد سرعة الانتشار. وفي حين تقتصر أضراره مبدئياً على مجرى الأنف والحنجرة والقصبة الهوائية، إلا أنه لا يسبب لحامله أية صعوبات في التنفس على غرار المتحورات التي سبقته وقد لا تظهر على حامله أعراض بتاتاً.

 

هذا وبيّنت دراسة مؤخراً في جنوب أفريقيا، نُشرت على الموقع الإلكتروني لمعهد أفريقيا لبحوث الصحة، أنّ المصابين بمتحور “أوميكرون” قادرون على مقاومة عدوى متحور “دلتا” كما باقي المتحورات. من هنا، يشهد العالم حالياً تدنياً ملحوظاً في إصابات متحور “دلتا” الذي تسبب بأعداد كبيرة من حالات الوفيات حول العالم.

 

سلالة على الطريق

 

وإذ وصفت منظمة الصحة العالمية متحور “أوميكرون” بالمثير للقلق، كونه يحتوي على عدة طفرات، فهذا يرفع من احتمال فرص حدوث تغيّرات فيه ينتج عنها ظهور متحورات جديدة من بعده، قد تكون أكثر حدّة وضرراً. الأنباء غير المثبتة الواردة من جنوب فرنسا تفيد عن رصد بضعة إصابات بـ”سلالة جديدة” تشي بإمكانية حدوث ذلك.

 

موجة بعد أخرى من الذعر تجتاح لبنان وسائر دول العالم مع ظهور كل متحور جديد، ولاسيما وأنّ الدراسات حول “أوميكرون” لم تتمكن حتى الساعة من تقديم الإجابات الشافية عن نتائجه وتداعياته ومعالم المرحلة التي ستليه. لمزيد من التفاصيل، كان لـ”نداء الوطن” حديث مع الدكتور عيد عازار، رئيس اللجنة التنفيذية للقاح كورونا، الذي أكّد بداية أن العالم يقف أمام مشهد تحلّل متحور “دلتا” بينما وصل متحور “أوميكرون” إلى ذروته حيث يُتوقع أن يبدأ بالانحسار بعد أسبوعين على الأكثر. وعن سؤال حول ما إذا كان “أوميكرون” هو الحلقة الأخيرة في مسلسل المتحورات أم ثمة المزيد في جعبة الفيروس، يجيب: “التوقعات حول هذا الموضوع مشابهة لتوقّع حالة الطقس على المدى البعيد”. وأضاف عازار أن جل ما يمكن تأكيده حتى الساعة هو كون عوارض “أوميكرون” أقلّ حدّة في حين أن انتشاره أكثر امتداداً، مضيفاً أنه لا يمكن لأحد أن يضمن عدم تطور المتحور في شخص يعاني أصلاً من ضعف في جهاز المناعة، وبالتالي ظهور متحور آخر من بعده قد يكون أكثر سوءاً وشراسة من سابقيه. لذا من الأفضل حالياً الإحجام عن عملية “الضرب بالرمل”.

 

على الرغم من أن نسبة الأشخاص الذين تلقوا أقلّه جرعة من اللقاح على مستوى العالم قاربت 41% في حين تخطت نسبة الذين تلقوا أقله جرعتين 33%، إلا أن متحور “أوميكرون” آخذ في الانتشار في أكثر من 90 دولة وبسرعة فاقت سرعة انتشار متحور “دلتا”، بحيث أكدت دراسة أجريت في الدنمارك منتصف شهر كانون الأول الماضي أن لـ”أوميكرون” قدرة على العدوى تفوق بواقع 2.7 إلى 3.7 مرات قدرة مثيله “دلتا”. وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية نشر أواخر الشهر الماضي أيضاً، ارتفعت نسبة الإصابات خلال أسبوع واحد في الولايات المتحدة الأميركية 30% وفي أوروبا 57%، وهي النسب الأعلى المسجلة منذ بداية الجائحة. وبالتالي يبدو واضحاً أن اللقاح لم يمنع تفشي المتحور الجديد كما لم يساهم في الحد من أعداد المصابين. عن هذه المسألة يشير عازار إلى الخلط في هذا الصدد بين مفهومين أساسيين اثنين: قدرة اللقاح على الحد من انتشار الفيروس، وقدرته على الحدّ من نسبة الحالات المستعصية كما الوفيات. ويقول: “لا قدرة للقاح على منع انتقال الفيروس من شخص إلى آخر، بيد أن إمكانيته تكمن في التخفيف من حدّة العوارض لدى المصابين، من جهة، وبالتالي خفض نسب الوفيات ذات الصلة، من جهة ثانية. ففي حين شهدنا خلال فصل الشتاء الماضي حوالى 6 آلاف حالة وفاة في لبنان نتيجة متحور “دلتا”، إلا أن عدد الوفيات حتى الآن للفترة المشابهة تتراوح بين 700 إلى 800 حالة فقط”.

 

هل يتكرر سيناريو الإقفال ؟

 

اللجنة الوطنية للقاح كورونا، على لسان رئيسها الدكتور عبد الرحمن البزري، أعلنت عدم ميلها إلى قرار إقفال البلد رغم تسجيل زيادات في أعداد الإصابات وتوقع ارتفاعها بشكل ملحوظ في الأيام المقبلة، إذ رأى البزري أن الإقفال يؤجل المشكلة ولا يحلها كما أن الإصابات غير شديدة باستثناء بعض الحالات. هذا في حين أعرب وزير الصحة، الدكتور فراس الأبيض، في تصريحات عدة مؤخراً، عن قلقه على الوضع الاستشفائي. فعلى الرغم من أن “الوضع في المستشفيات لغاية الآن لا يزال تحت السيطرة، ولم يزد عدد المرضى فيها وفي العناية الفائقة بشكل كبير، لكن المطلوب منا أن نكون على درجة من الجهوزية والاستعداد”، بحسب قوله.

 

في هذا السياق، تخوّف النائب عاصم عراجي، رئيس لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الاجتماعية النيابية، في اتصال معه من أن يكون البلد أمام مشهد “تفشّ مرعب” آخر لكورونا، لا سيما وأن قدرة “أوميكرون” على الانتشار تفوق قدرة “دلتا” بثلاث أو أربع مرات، في ظل عدم الالتزام بالاحتياطات الواجب اتخاذها كما عدم الإقبال الكثيف على اللقاح.

 

لم ينفِعراجي بأن ارتفاع الحالات في لبنان كان متوقعاً تحديداً بعد فترة الأعياد وما نتج عنها من تجمعات في المنازل كما في الأماكن العامة. هنا، ومن دون التقليل من الأثر السلبي لذلك اقتصادياً، ما سبب عدم اتخاذ قرار بإقفال المطاعم والملاهي الليلية خلال فترة الأعياد تفادياً لما هو ربما آتٍ؟ يجيب عراجي: “عن أي قرار نتحدث ونحن في دولة لا يجتمع مجلس وزرائها. فلو كنا في كيان محترم، لاجتمعت الدولة بكل مؤسساتها ليلاً نهاراً لاتخاذ القرارات الحاسمة، لكن دولتنا أصبحت هيكلاً عظمياً”. وأردف عراجي محمّلاً الشعب اللبناني كذلك مسؤولية جزئية عما وصلنا إليه نتيجة الفوضى لناحية عدم الالتزام بالتدابير الوقائية، واللجوء إلى تزوير نتائج فحوصات الـPCR، ما يؤدي إلى تسبب الفرد بأذية نفسه ومحيطه في آن. وأضاف: “لقد عملنا على إقرار قانون في مجلس النواب يهدف إلى تشديد الإجراءات وتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين تصل إلى عقوبة السجن، لكن ما من أحد يطبّق. فالدولة كما الشعب غائبون عن السمع”.

 

ولفت عراجي إلى أن المستشفيات ليس بمقدورها استقبال مزيد من الحالات. “فوضع القطاع الطبي هذا العام أسوأ مما كان عليه السنة الماضية، إذ خسرنا ركائز مهمة للقطاع نتيجة موجة هجرة واسعة لأصحاب الاختصاص من لبنان (من ضمنهم ما يقارب 1500 ممرض وممرضة)، في وقت يباع فيه الدواء في السوق السوداء كما تبلغ تعرفة دخول مريض الكورونا إلى المستشفى حوالى 10 ملايين ليرة”.

 

 

ما هي الحلول المطروحة؟ يعوّل عراجي على وعي الشعب اللبناني في أمور ثلاثة: الالتزام بوضع الكمامات والتباعد الاجتماعي وتفادي التجمعات، الإقبال على اللقاح إذ تبين أن 85% من مرضى العناية الفائقة هم من غير الملقحين كما الكشف المبكر عن الإصابة ما يحدّ من احتمال انتشارها. وأنهى مشدداً على أن لبنان أمام وضع صحي حرج يستدعي المعالجات على المستوى الرسمي، متمنياً على المعنيين التعالي عن المناكفات السياسية والشخصية وإعطاء الأولية للشعب والوطن في ظل الامتحان الصعب الذي يمر به.

 

فلنتوقَّ جيّداً بانتظار ما ستحمله إلينا الأيام المقبلة.

 

لغاية يوم الثلثاء، سجّل العالم 293,264,764 إصابة مؤكدة بالفيروس، إضافة إلى 255,562,034 حالة شفاء و5,468,191 حالة وفاة. وإذ نأخذ هنا بضعة أمثلة من مختلف القارات، احتلت الولايات المتحدة الأميركية المرتبة الأولى بعدد الإصابات (57,131,187)، تليها الهند (34,960,261) والبرازيل (22,305,078)، جاءت فرنسا في المرتبة السادسة (10,317,819)، ألمانيا في المرتبة الثامنة (7,235,135)، إيطاليا في المرتبة العاشرة (6,396,110)، جنوب أفريقيا في المرتبة الثامنة عشرة (3,475,512)، العراق في المرتبة السابعة والعشرين (2,094,349)، فيما أتى لبنان في المرتبة الثالثة والخمسين (735,727) والسعودية في المرتبة الثالثة والستين (559,852).

 

ويظهر الرسم البياني الأول معدل الوفيات بالألف في البلدان المأخوذة كنموذج أعلاه نسبة لعدد الإصابات، حيث وصلت نسبة الوفيات في البرازيل إلى 27.76 بالألف من عدد الإصابات، في حين شكلت في جنوب أفريقيا 26.27 بالألف وفي الولايات المتحدة 14.86 بالألف. أما في لبنان، فقد بلغت نسبة الوفيات 12.47 بالألف.

 

أما الرسم البياني الثاني، فيظهر معدل الإصابات في البلدان نفسها نسبة لعدد سكان كل منها على التوالي، بحيث يتبيّن أن 17.11% من الأميركيين قد أصيبوا بكوفيد-19، مقابل 15.75% من الفرنسيين. بينما بلغ معدل الإصابات نسبة لعدد السكان في لبنان 10.85%، وهو رقم مرتفع مقارنة مع بلدان أكبرحجماً وتعداداً للسكان مثل المانيا (8.62%) والعراق (5.04%).