Site icon IMLebanon

كورونا لبنان وباء مزدوج

 

يختلف وقع وباء كورونا على اللبنانيين عن وقعه على شعوب اخرى. صحيح انه وباء عالمي يجتاح الكرة الأرضية ويوحد بين الشعوب والأقوام والأديان والألوان، ولا يميّز بين غني وفقير أو بين نظام مستبد أو نظام ديموقراطي، الّا ان اجتياحه لبنان جاء مميزاً كتتويج لسلسلة مصائب حلت بالشعب اللبناني على مدى السنوات الماضية، وانفجرت دفعة واحدة في الشهور الأخيرة.

 

كان النهب الاقتصادي والمالي سياسة راسخة للطاقم السياسي اللبناني، وقادت هذه السياسة الى إفقار عام على يد إدارة باتت اختصاصية في مراكمة الفضائح من النفايات الى التهريب الشرعي واللاشرعي، من استيفاء اشتراكات المياه الى بيعها واستيفاء اشتراكات موازية، ومن كهرباء كانت مؤسسة مزدهرة الى مولدات وبواخر ومليارات من الخسائر السنوية يدفعها المواطن لمصلحة صفقات البواخر وتجار الفيول، وصولاً الى انهيار مالي شامل يدفع ثمنه الموظف والعامل، وتوّج كل ذلك بانهيار مصرفي حوّل المودع وصاحب الحقوق الى مستجدٍ على أبواب البنوك وفروعها.

 

لم يحلّ الوباء في بلدٍ يعاني مثل هذه المشاكل كلبنان. أضف اليها الانهيار العام في مؤسسات الدولة وقيام دولة داخل الدولة تفرض مشيئتها على الدستور، فتطوّعه لمصلحتها، تدعس القانون او تفسره أو تتخطاه بحسب مصلحتها، تفتح علاقات ديبلوماسية وتشن حروباً وتبرم اتفاقات… فتزيد الجسم الوطني اللبناني ضعفاً وتفقده بقايا مناعة يحتاجها.

 

حل الوباء في لبنان وهو في هذه الحال، فانكشف ضعف بنيته الطبية واللوجستية، مع انكشاف هزال قراره الحكومي. عجزت الحكومة عن اتخاذ قرار بوقف استيراد الوباء من الخارج، لأن الطرف المهيمن على قرارها ينتمي الى هذا الخارج، وشاهد اللبنانيون والعالم عجائب التدابير المتخذة للحماية والفحص في المطار وعلى الحدود، واستمعوا الى تهديدات مصابين رفضوا اعتبار ايران مصدراً محتملاً للوباء وجعلوا من بلدهم ومواطنيهم متآمرين على قداسة الجمهورية الموبوءة.

 

الآن “حل بنا الطاعون… ذلك المرض الملعون”. ولم يعد مهماً سوى محاولة محاصرته والقضاء عليه، وهذه مسؤولية الجميع، وليس الوقت لمتابعة تبادل الاتهامات السياسية، فالوباء يوحّد العالم، وإيران التي نصحتنا بعدم التعاون مع صندوق النقد الدولي لجأت اليه، وهي ستذهب ابعد من ذلك في طلب دعم العالم، وغيرها من الدول سيقوم بالأمر نفسه سعياً وراء جهد عالمي لوأد الجائحة.

 

غالباً ما أدت كوارث مماثلة الى انتاج افكار وسياسات جديدة في العالم، وهذا ما نتوقعه بمناسبة كورونا، والأجدى ان تتبلور مثل هذه الأفكار والسياسات في لبنان البلد الذي يحتاجها بقدر حاجته الى دحر الوباء.