من السند والهند والولايات المتحدة إلى الأمة العربية
أدوية ولقاحات أم أوهام وآمال زائفة وحبال هواء، يتعلق بها كوكب وجد جبروته يتضاءل ويتضاءل ليصبح في حجم فيروس مجهري، وصار بقاؤه متعلقاً بجزيئات مجهرية تتحد لتشكل معادلة كيميائية ناجحة تعيد الى الكوكب حياته وصحته. محاولات علمية جادة ينتظرها العالم بلهفة تخرج الى العلن، جنباً الى جنب مع ادعاءات مغلوطة ترتكز على الدجل والخرافات والحس الوطني المضخم، لا يعرف الناس معها بمن يثقون وأيها يصدقون.
عبر الإعلام الافتراضي ووسائله المختلفة تنتشر الأخبار المغلوطة بسرعة تفوق انتشار الفيروس نفسه. تتوالى المبادرات المزيفة والمدعية اكتشاف دواء شافٍ أو لقاح حامٍ وتبنى على أساسها النظريات الواعدة. وفي زمن الـ”فايك نيوز” يمكن لخبر ضُخّ عن تصور وتصميم أن يلف العالم في ثوان، ليبني آمالاً وهمية في قلوب مذعورة وأدمغة شلها الذعر عن التفكير السليم وسيطر حب البقاء فيها على كل شيء آخر، فما عادت تعرف الفرق بين لقاح يسبق الفيروس ويقي منه ودواء يعالج تداعياته متى استحكم بالخلايا.
خريطة العلاجات في العالم
كلهم يريدون ابتكار الدواء الشافي، لذا تتعالى كل يوم اصداء عن دواء غريب عجيب يقضي على الفيروس ابتكره عالم مجهول اوعراف دجال أوخبير أعشاب مدع. وفي العالم العربي بوجه خاص تكثر الإدعاءات ويضاف إليها حس وطني مضخم، تعوّد أن يحوّل الخيبات انتصارات ويجعل من كل مدعٍ بطلاً قومياً قادراً على إحداث ثورة علاجية تهز العالم.
تونس
ضجت أخيراً مواقع تونسية بمعلومات تفيد أن باحثاً تونسياً يعمل في ألمانيا ويدعى رضوان كمون اكتشف لقاحاً ضد فيروس كورونا المستجد، لا بل توصل إلى طريقة للكشف عن الفيروس. وأسهبت هذه المواقع في الحديث عن العلاج العتيد بطريقة دراماتيكية وكيف أن الطبيب المذكور فضل توجيه رسالة لرئيس بلاده، بدلاً من مخاطبة الجهات الألمانية المختصة يدعوه فيها إلى تبني براءة اختراعه. وذهب البعض إلى الحديث عن أرقام خيالية توازي 500 مليون دولار قيل أن الولايات المتحدة عرضتها على الدكتور كمون ليبيعها العلاج. ولكن حين حاول البعض التحقق من هذه الأخبار تبين أن الدكتور رضوان ليس لديه حساب على فيسبوك فيما حسابه على موقع تويتر غير ناشط منذ العام 2017، وحتى حساباته على مواقع متخصصة أخرى لم تظهر له فيها أي رسالة من هذا النوع.
مصر
هذا في تونس، أما في مصر فكان يكفي ان تُنشر صورة لوزيرة الصحة المصرية أثناء زيارة سابقة لها الى الصين، حتى تهب الحماسة في الشعب المصري المليوني الكريم، ويتداول آلاف مستخدمي فيسبوك خبراً يدّعي أن الوزيرة سلّمت وزارة الصحة الصينية دواء، طورته مصر لمعالجة المصابين بفيروس كورونا المستجدّ بعد إثبات فعاليته، وأنّ الصين أعلنت رسمياً نجاح المصل المصري. وفاض الحماس “وتحيا مصر” وذهب البعض الى الإدعاء أن هذا المصل المقترح قادر على إيفاء كل ديون مصر، وجعلها من أغنى الدول في العالم حين يتم بيعه الى دول العالم أجمع. “ولكن يا فرحة ما تمتش” فسرعان ما نفت وزارة الصحة المصرية الخبر جملة وتفصيلاً، وأكدت ان صورة الوزيرة قديمة وأتت في غير ظروف.
اليمن
في اليمن الغارق في مشاكله وحروبه التي يختلط حابلها بنابله، نشر محمد عبد المجيد الزنداني، وهو نجل أحد القياديين في حزب الإصلاح الإخواني ويقيم مع والده في تركيا، خبراً على صفحته على فايسبوك يعلن فيه توصله الى لقاح ” ناجع” يقضي على الفيروس وأعراضه في فترة لا تتجاوز 72 ساعة. ولم يكتف بهذا الإعجاز العلمي بل أوضح أنه بصدد استكمال الإجراءات البحثية له في إحدى الجامعات التركية بعد توقيع اتفاقية معها، وسيتم رفع النتائج لوزارة الصحة من قِبل هذه الجامعة…ولكن بعد أن قدم صديقنا نفسه كمنقذ للبشرية، تبين أنه لم يدخل كلية الطب مطلقاً، وهو يعالج أمراض الناس على اختلافها بالحبة السوداء والكمون والعسل…
الكويت
وحتى لا تكون دولة الكويت متخلفة عن السباق الى إيجاد العلاجات الشافية لفيروس العصر، أعلن أحدهم وهو هشام الجاسرعضو مجلس إدارة جمعية الطب البديل الكويتية، عن توصله لعلاج لفيروس كورونا المستجد، وهو مكون من ثمانية مركبات لأعشاب طبيعية، بعضها مزروع في الكويت والآخر تم جلبه من خارجها. والجاسر حسبما فهمنا طبيب عربي، حاصل على شهادة في صيدلة الطب اليوناني من الهند، وأخرى في علم الرفلكسولوجي من أميركا!!! وقد بدأ أبحاثه مع بداية الأزمة في الصين الى أن توصل الى أول علاج كويتي لمرض كورونا. وأكد أنه سيزود وزارة الصحة الكويتية إذا طلبت منه ذلك بكميات من هذا العلاج الذي يجعل الفيروس يخرج من نفسه. ولكن يبدو أن وزارة الصحة الكويتية لم تبادر الى هذا الطلب ولم يكن للبحث تتمة…
لبنان
لبنان الذي له في كل عرس قرص ويتباهى بعبقرية ابنائه، فقد اشتغل على عدة محاور لإيجاد اللقاح المطلوب والعلاج المنتظر لاحتواء أشد الفيروسات انتشاراً في هذا العصر.
على الصعيد الطبي انتشر خبر يتحدّث عن اكتشاف طبيب لبناني مصلاً معالجاً للكورونا، لكن مدير العناية الطبيّة في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو أكّد لموقع mtv أنّ “الخبر عارٍ عن الصحة”، مُؤكّداً أنّ “أيّ علاج لفيروس كورونا يتمّ اكتشافه، يُنسَّق مع الوزارة من دون سواها، وكلّ ما عدا ذلك خارج إطار الحقيقة”.
إنما من جهة أخرى وعلى مستوى خبراء الأعشاب فإن الآمال معقودة على رجل اعتاد ان يجد لكل داء دواء ولكل مرض عشبة ولكل مشكلة تركيبة. لكن الحل هذه المرة لم يأت عن طريقه بل جاء من خبير أعشاب منافس هو علي الفقيه من بلدة تبنين اللبنانية، الذي أراد أن يرد ّ الجميل لدولة الصين التي درس الأعشاب في أكاديميتها يبتكر لمصابيها الدواء. ويقول الفقيه أن علاجه وقائي ويتكون من 84 صنفاً من الأعشاب 50 منها برية والأخرى بحرية، يتم تجفيفها وتحويلها الى بودرة قادرة على إنقاذ االبشرية. أما كيف يمكن لخبير أعشاب أن يبتكر دواء لفيروس لا يعرفه ولم يدرس خصائصه، فالجواب معلّب سلفاً فهو قد سبق له أن وجد علاجاً للسيدا استطاع أن ينقذ مريضا بمدة 16 يوماً، كما وجد أيضاً علاجاً لأقسى فيروسات القرن الماضي وهو فيروس إيبولا القاتل، وبرأيه ما يصح على إيبولا يصح كذلك على غيره من الفيروسات. فالحل بين أيدينا إذاً، ومن صنع لبنان، لكن مختبرات العالم مقصرة بحقنا وحق البشرية جمعاء!!!
إيران
إيران الغارقة في تداعيات الفيروس الذي يحصد فيها الضحايا والتي ترفض كل مساعدة من قِبَل الإمبريالية العالمية والشيطان الأعظم، أعلن فيها رضا جلالي رئيس جامعة “بقية الله” للعلوم الطبية عن إطلاق ثلاثة مشاريع علمية عبر باحثين وأطباء وعلماء ايرانيين، بهدف انتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا والعمل على انتاج علاج جذري للمصابين وتقديم أحدث الطرق العلاجية لهم. ويؤكد أن تبادل الخبرات بين الاطباء أدى الى انخفاض الوفيات بين المصابين قياساً بالأيام الاولى من انتشار الفيروس، ولكن لا يمكن كشف أي تفاصيل في ما يخص مشروع العلاج ومن المبكر الحكم عليه وتقييمه بالكامل رغم أنه أعطى نتائج واعدة. وأخيراً أعلن رئيس منظمة الأغذية والأدوية الإيرانية محمد رضا شانة ساز أن إيران أنتجت بالفعل دواء تركيبياً لعلاج فيروس كورونا، بعد أن تم إدخال المواد الأولية الخاصة بالدواء اليها. ولكن يبدو أن العلاج الشافي لم يخرج الى العلن بعد حتى اليوم وإلا لكانت كل الدول تستعطف إيران وتطلب ودّها للحصول عليه.
ولكن إذا كانت الناحية العلمية واعدة فالنواحي التدجيلية مزدهرة في إيران مع تفشي الفيروس، وقد تم بالفعل القبض على “مروج” ادّعى اكتشاف لقاح لهذا الفيروس، وقام ببيع عدد كبير من هذا الدواء أونلاين بحيث وصل ما ربحه الى 8 ملايين ريال وأكثر، أي ما يعادل 60 دولاراً تقريباً.
المملكة العربية السعودية
المملكة العربية السعودية من جهتها وضعت حداً فورياً للمدعين وحذّرت مواطنيها من الإصغاء الى غير منتسبين للقطاع الصحي من الأساس، الذين يخرجون على الناس بادعاءات حول اكتشاف علاج أو وصفة لفيروس كورونا، وقال المتحدث صراحة: تجنبوا تصديق من ليس لهم علاقة بالشأن الطبي، وكل من يدعي بأن لديه خلطة أوتجربة أو أياً من هذه الخزعبلات ويسوقها ويروج لها أو يربطها بمنام أو تجربة، وذلك لقطع الطريق منذ البداية على البصارين والدجالين ومدعي الخبرة…
الولايات المتحدة
الولايات المتحدة لا تحتاج الى مدّعين ومروجين فدونالد ترامب يقوم بكل الأدوار، وقد كان السباق الى الإعلان عن التركيبة العلاجية التي تجمع بين الكلوروكين والزيتروماكس ووصفه كعلاج محتمل للكورونا، حتى قبل ان يتبناها أي مختبر أو تؤكد عليها وكالة الأدوية الأميركية الصارمة FDA، ونتيجة هذا تُوفي رجل وزوجته في ولاية أريزونا الأميركية بعد تناولهما فوسفات الكلوروكين، للعلاج من فيروس كورونا المستجد، وذلك بحسب شركة “Banner Health” للرعاية الصحية. فيما يَسخر معارضو ترامب الكثر من الوصفة قائلين أن الكلور مادة شائعة الاستخدام في الأحواض المائية لتنظيف خزانات الأسماك. لكن في الواقع، بدأ هذا العلاج يأخذ طريقه في مستشفيات العالم إنما تحت مراقبة طبية مباشرة وبكميات مدروسة ومحددة لتلافي أعراضه الثانوية.
الصين
الصين التي نجت من الوباء، بدأت تنتشر فيها شائعات أخيراً أن لي وينليانغ الطبيب الذي اكتشف الفيروس وحذر منه ثم توفي بسبب عدواه، كان قد اكتشف تركيبة علاجية لكن الحكومة الصينية أبقتها سراً. والتركيبة عبارة عن مزيج من مواد Methylxanthine مع theobromine وtheophylline تعمل على تقوية المناعة والحد من عمل الفيروس داخل الخلايا. وقد تبين ان هذه التركيبة المعقدة التي وجد الصينيون صعوبة في فهمها ما هي إلا الشاي. نعم الشاي المعتاد الذي ألفناه منذ مئات السنين. وتقول الشائعات أنه حين بدأت الممرضات بتقديم أكواب الشاي ثلاث مرات في اليوم للمصابين تحسن وضعهم، وتمكنت ووهان بؤرة انطلاق الوباء من استيعابه وإيقاف انتشاره.
لكن الصحافي اللبناني شارل أيوب أكد في تغريدة له أن دولة الصين الخبيثة تستعمل دواء لا تصرح عنه، أوقفت من خلاله انتشار الفيروس لأن هذا الوباء البيولوجي قد خرج من مختبر لها، ولم تعلن عن ذلك حتى تدخلت روسيا أخيرا ونقلت العلاج الى إيطاليا. ويؤكد في تغريدته أن مصدر المعلومات هي المخابرات الفرنسية.
المعتقدات الشافية
بعيداً عن الدجل والإدعاءات الزائفة والأنا الوطنية المضخمة وفي ظل الذعر الذي يعيشه العالم، يجد الناس في معتقداتهم الروحية ملاذاً آمناً لهم يعزلهم عن الوباء ويحفظ لهم صحتهم. في مقدساتهم يبحثون عن العلاج ويجدون في مراجعهم الدينية الكلمة الشافية التي ينتظرونها. ورغم تحذيرات هذه المراجع نفسها بعد انتشار فيروس كورونا من مخاطر بعض العبادات التقليدية أصر الكثير من المؤمنين ومن كل الأديان على اتباع التشبت بممارساتهم الجماعيّة. فالإيمان بقدرة الله تعالى على الحماية والشفاء أقوى من أي تحذير، حتى ولو صدر عن أعلى المراجع الدينية.
ففي لبنان احتج المصلون في إحدى الكنائس حين أصرّ الكاهن على عدم مناولة القربان في الفم، تنفيذاً لقرار السلطة الكنسيّة العليا، ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا. وفشلت كلّ محاولاته في إقناع الجمع، حتى بعد أن قام بتأنيبهم لعدم طاعة السلطات الكنسية وتوصيات البطاركة والمطارين.
وفي إيران ومع بداية انتشار الفيروس المستجدّ في إيران، ظهرت على مواقع التواصل فيديوات لزوار يلعقون الأضرحة المقدسة في مدينتي قم ومشهد، في تحدٍّ صريح لقرار السلطات، ما أدّى إلى اعتقال بعضهم.
أما في الهند فجرى احتفال احتشد فيه مئات الناس لشرب بول البقر المقدس لكونه يحمي من الفيروس والوباء المتفشي، فيما السلطات الهندية فرضت عزلاً على 800 مليون هندي وأجبرتهم على البقاء في منازلهم. هي كلها حبال هواء نتعلق بها ونتداول أخبارها متمنين أن تكون حقيقة. نضحك من بعضها طالما المرض بعيد عنا وندعو الله آملين ألا يقترب، فيجعلنا ننسى طرافتها لنتشبث بحبالها الواهية رغم غرابتها.
تنبّؤات الماضي تُحذِّر الحاضر
مع انتشار الفيروس خرجت من علبها البائدة عفاريت التنبؤات القديمة من الأزمنة البادة، وراحت أخبارها تنافس العلاجات انتشاراً ومصداقية وتبارى فيها المحليون مع العالميين: ليلى عبد اللطيف، ميشال حايك وحتى ماغي فرح وقفوا في مواجهة نوستراداموس، بابا فنغا وسيلفيا براون.
– في كتاب «نهاية الأيام»، للوسيطة الروحانية الأميركية سيلفيا براون، توقعت انتشار مرض بشكل كبير حول العالم، مبينة أنه «في العام 2020، سينتشر حول العالم مرض خطير يشبه الالتهاب الرئوي، وسيهاجم الرئة والقصبات الهوائية، وأكثر غرابة من ظهوره، يكون اختفاؤه إذ إن المرض سيختفي بسرعة كما جاء، وسيهاجم مجدداً بعد عشر سنوات، وبعدها يختفي كلياً. ونُشر كتاب براون العام 2008، بينما توفيت هي في العام 2013. ولكن الكتاب على الرغم من دقته الظاهرية، إلا أنه كُتب مباشرة بعد انتشار فيروس سارس، المشابه في الأعراض، والقريب جينياً من فيروس كورونا.
– كذلك توقع الكاتب الأميركي دين كونتز، تفشي فيروس كورونا المتحور (كوفيد-19) قبل حوالى 39 عاماً، في روايته «عيون الظلام» Eyes of Darkness وقد توقع فيها انتشار فيروس يُطلق عليه (ووهان- 400)، نظراً إلى تطويره في مختبرات ومعامل خارج المدينة الصينية. رغم أن كونتز تحدث في روايته عن انتشار فيروس غامض وخطير، إلا أن أعراضه وفترة حضانته تختلف كثيراً عن كورونا المتحور الجديد.
– تداول عدد من متابعي مسلسل عائلة سيمبسون The Simpsons حلقة عرضت منذ 27 سنة، تحديداً العام 1993، تظهر انتشار فيروس جديد يدعى «أوسكا فلو» في إحدى الولايات الأميركية بعدما انتقل إليها من القارة الآسيوية. وفيها يظهر موظف في مصنع في اليابان يسعل داخل بضائع معبأة في صناديق قبيل إرسالها إلى الولايات المتحدة، ما تسبب بإصابة العديد من الأميركيين بأعراض الفيروس التي تشبه أعراض كورونا.
– أما فيلم «عدوى» للمخرج الأميركي ستيفن سودريرغ، فيعود اليوم إلى دائرة الاهتمام، إذ يروي قصة فيروس إنفلونزا جديد غامض ومميت يجتاح العالم في غضون أسابيع، ويسفر عن مقتل الملايين. وقال مايكل شامبرغ أحد منتجي الفيلم انه تم تصوير (عدوى) ليكون فيلماً تحذيرياً وإن أوجه التشابه بين عدوى فيروس كورونا غير مقصودة.