IMLebanon

ترحيل عقد استيراد اللقاح ومخاوف من ملاقاته مصير بقية العقود

 

حصرية التعامل مع “فايزر” عبر وزارة الصحة تفوّت على لبنان فرصة استعادة عافيته سريعاً

 

يثير “إحتكار” وزارة الصحة للقاح “كورونا”، شراءً وتوزيعاً، الكثير من المخاوف. فتجربة العقود التي أبرمتها الدولة في الآونة الأخيرة لحل أمور لا تقل خطورة عن محاربة كوفيد-19 غير مشجعة. بعضها فشل كعقد “ألفاريز آند مارسال”، وبعضها جمد كعقد “لازارد”، وبعضها الآخر عُطل كالعقد مع “ماكينزي”. أما عقد “فايزر” فهو معرض بدوره للترحيل وملاقاة مصير بقية العقود.

 

 

وزارة الصحة مصابة كباقي إدارات الدولة بمرض البيروقراطية المزمن، وبمفاصل ضعيفة ممسوكة من جهات سياسية وطائفية، وبخاصرة رخوة لحزب ممنوع التعامل معه. وإذا نجحت الوزارة في توقيع الاتفاق النهائي مع “فايزر”، فان عملية التوزيع العادلة، السريعة والفعالة مشكوك فيها من قبل الكثير من الاطراف المعنية.

 

“فايزر” والعقد

 

توقيع العقد النهائي مع “فايزر- بيونتيك” المقدرة قيمته بـ 18 مليون دولار، أُجّل. السبب قد يكون بسيطاً، وهو إعطاء الشركة الأولوية لدول تقدمت قبل لبنان لشراء اللقاح، كما عُلم من مصادر وزارة الصحة. إذ ان المشكل ليس مادياً، فالمبلغ المخصص لشراء “دواء” بهذه الاهمية يعتبر زهيداً، حتى بالنسبة إلى بلد كلبنان، لم يبق في خزائنة إلا نحو 17.5 مليار دولار. وبجميع الحالات فان الوزارة أمّنت 4 ملايين دولار من المصرف المركزي ثمناً للدفعة الأولى من اللقاح. أمّا التخوف من أن يكون اللقاح المنتج في اميركا خاضعاً للعقوبات، فهو أمر مستبعد أيضاً، خصوصاً ان إيران المحاصرة كدولة بالعقوبات ستتلقى اللقاح. وكان قد سبق لرئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب أن رفع الحظرعنها في هذا المجال.

 

الشراء والتوزيع

 

إذاً، يبقى العامل التقني، وهنا بيت القصيد. فحتى لو نجحت الوزارة في توقيع العقد مطلع العام القادم مع “فايزر” وتلقيها الدفعة الاولى بعد 8 أسابيع، فان “اللقاح لن يصل بالسرعة والكمية والتنظيم المطلوب”، يقول الوزير السابق روجيه ديب.”فدور الوزارة يجب ان يحصر في تنظيم اولويات التلقيح وإعطاء الموافقة الطبية السريعة. وليس سيطرة الوزير على هذا الامر الحيوي”. متحدث باسم أحد المستشفيات أبدى استغرابه من حصر استيراد اللقاح من شركة “فايزر”، وعبر وزارة الصحة فقط. وبرأيه ان مستشفاه يملك القدرة على جلب أنواع أخرى من اللقاحات الحائزة على الموافقات الطبية والمخبرية من الدول الاوروبية وهيئاتها الصحية. وهذا من شأنه تسريع وتيرة التلقيح وشمولها عدداً أكبر من المواطنين. حيث ان الكثير من الشرائح القادرة مادياً لن تبخل على نفسها بالتلقيح مقابل بدل مادي بسيط وهو ما سيخلق أيضاً منافسة ويخفض الأسعار.

 

اللقاح لـ 20 في المئة فقط

 

الكمية التي سيستوردها لبنان في الامد المنظور تكفي لنحو 1.5 مليون مواطن. وهو رقم لا يشكل اكثر من 20 في المئة من مجمل القاطنين على الاراض اللبنانية. حيث عمدت السلطات اللبنانية إلى فتح خطي استيراد الاول مباشر مع “فايزر” والثاني عبر توقيع اتفاقية الانضمام إلى خطة “كوفاكس”، المدعومة من منظمة الصحة العالمية، لتوفير اللقاحات للدول الأكثر احتياجاً. وبحسب ديب فان استلام وزارة الصحة المحسوبة على “حزب الله” من الممكن ان يشكل عائقاً. لكن في جميع الأحوال فان المستشفيات الجامعية الكبيرة التي تملك صلات قوية مع الدول الخارجية، سواء كان عبر مكاتب تمثيلية تابعة لها أو أشخاص داعمين لها مادياً ومعنوياً، باستطاعتها تأمين اللقاحات”. وبحسب ديب فان “عضو مجلس إدارة أحد المستشفيات المعروفة من قبله، يشغل أيضاً منصب عضو مجلس إدارة في إحدى الشركات المنتجة للقاحات. وهو ما يعني ان هناك امكانيات بشرية في الدول الخارجية بامكانها مساعدة لبنان بكميات لقاح اكبر عددياً وأسرع تنظيماً، في حال رفع هيمنة وزارة الصحة عن استيراد اللقاح”. على سبيل الذكر لا الحصر فان أحد أهم الشخصيات المساهمة في تطوير لقاح شركة “مودرنا” هو لبناني من أصل أرمني. ولن يتردد، بحسب ديب، “بمساعدة لبنان وتسهيل إيصال اللقاح الذي حاز على ترخيص من إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA. حيث كانت الولايات المتحدة قد منحت ترخيصاً طارئاً لاستخدام لقاح شركة “مودرنا” المضاد لكوفيد-19 في 18 كانون الأول. على أن يُستخدم في إطار حملة التلقيح الضخمة التي أطلقتها.

 

فتح الاستيراد

 

التشجيع على فتح استيراد اللقاح وسحب حصريته من وزارة الصحة لا يعني إطلاقاً، بحسب المطالبين، الاستيراد العشوائي. إنما يبقى خاضعاً لنفس الطريقة التي تعتمد في استيراد الأدوية لناحية إلزامية أخذ الموافقات الرسمية من الجهات الرقابية والتنظيمية اللبنانية. وهنا يأتي دور وزارة الصحة “باعطاء الموافقات سريعاً عبر اعتماد آلية fast track، في حال القبول باستيراد غير انواع من اللقاحات، خصوصاً إذا كانت حائزة على موافقة FDA ومنظمة الصحة العالمية ومعهد “باستور” الفرنسي والسلطات الرسمية في الدول الاوروبية”، يقول ديب، “عندئذ تنجز الموافقات في غضون أيام قليلة، ولا تعلق المعاملات في الادراج وبين الادارات لمدة أشهر وسنوات”. حصر استيراد اللقاح من شركة “فايزر” وعبر وزارة الصحة فيه الكثير من التجني، خصوصاً ان هناك لقاحات أخرى موثوقة وأرخص ثمناً بكثير بدأت تظهر وتعتمد في الدول الأوروبية، ومنها اللقاح الذي طورته شركة “أسترا زينيكا” بالتعاون مع علماء في جامعة أكسفورد، والذي ستعتمده بريطانيا رسمياً لتوسيع حملة التلقيح بأكثر من 100 مليون جرعة، وعودة الحياة إلى طبيعتها.

 

أميركا بعظمتها وإمكانياتها الضخمة تواجه مشاكل بالتوزيع، فكيف الحال بالنسبة إلى لبنان الذي يغرق في “شبر ماء”، فعملية التوزيع قد تبقى سنوات وقد تسقط في مستنقع المحاصصات والمقاسمات المذهبية والطائفية. أما اقتراح تسليمها للجيش، نظراً لتنظيمه المتماسك وقدراته اللوجستية الكبيرة، ففيه الكثير من الظلم لهذه المؤسسة المكلفة باحصاء العائلات الفقيرة وتوزيع المساعدات المادية والعينية، وغيرها الكثير من المهام المضافة إلى الدور الاساسي في حماية الامن وحفظ الاستقرار. لذا فان فتح مصادر الاستيراد والتوزيع مع رقابة محكمة من سلطة الاختصاص يشكل حلاً سريعاً، يعتبر لبنان بأمس الحاجة اليه لفتح أجوائه واسواقه واستعادة جزء من نشاطه الاقتصادي المفقود.