Site icon IMLebanon

أسبوع من التحصين: بطء في إعطاء المواعيد وتهديد للمستشفيات

 

في زحمة الهموم المحلية، وبعد أسبوع على مشهد تحقق حلم وزير الصحة بوصول أول شحنة لقاحات فايزر- بيونتك لـ11 ألفاً و200 لبناني و2800 لاجئ أي 0.2% فقط من السكان، وبعد مراقبة حملة التحصين التي موّلها البنك الدولي عن كثب… تواجه المستشفيات اللبنانية، ومراكز التطعيم منها على وجه الخصوص، مجموعة من المشاكل وفي مقدمها انعدام القدرة على التنسيق في ما بينها، وبطء وتيرة وزارة الصحة في إرسال المواعيد من منصتها، في حين يُسجّل إقبال شعبي على التسجيل لتلقّي اللقاح.

 

لفرط ما شاب المشهد الصحي من فوضى بين منصة الوزارة والمستشفيات، اضطر المكتب الإعلامي في وزارة الصحة إلى إصدار تعميم تعلن فيه أن «المنصة الرسمية الالكترونية هي المصدر الوحيد لتحديد مواعيد تلقي اللقاح»، وذلك بسبب قيام عدد من مراكز التلقيح المعتمدة من قبل وزارة الصحة العامة، بتوجيه «دعوات للمواطنين للاتصال مباشرة بالمراكز للحصول على اللقاح ضد فيروس كورونا، وتعميم أرقام هاتفية لذلك، من دون الحاجة للتسجيل عبر المنصة الرسمية أو انتظار الموعد الذي تحدده المنصة» ما يُعتبر مخالفاً للتوجيهات. فما الذي أدى إلى ذلك؟

 

إدارة المواعيد بدائية

 

لا آلية واضحة حتى الآن لإصدار شهادات تلقيح بعد اجراء فحص المناعة لاستخدامها في أمور متعددة مثل السفر والتنقل والذهاب إلى أماكن العمل خلال فترات الحجر مستقبلاً. وبعد أن قرر لبنان التحوّل إلى اليابان «بكبسة زر»، يواجه عدد لا يُستهان به من اللبنانيين والمُقيمين، كبار السن منهم على وجه الخصوص، مشكلة في التسجيل على المنصة، التي وبحسب أبو محمود حطيط «لا يعرف كيف يتعامل معها». ويتابع: «ولا أفهم لماذا يتركون عبء التسجيل على المواطن أليس الأجدى أن نتوجه إلى المراكز وأن يتم إدخال بياناتنا من قبل الأطباء؟ ولماذا يتوقع الجميع ان المنصات الالكترونية سهلة الاستعمال لكل الناس فهل يتعدى المجتمع الرقمي الفاعل أكثر من 30 إلى 40% من المواطنين وأغلبهم من الشباب؟ لا أظن أكثر!… على أيه حال ذهبت أنا وجاري وقالوا لنا أن نتصل على رقم 1214، لكنني مثلاً لا أملك ترف الإتصال وانتظار الخطوط والأخذ والرد»، ويكمل: «وأصلاً بدك مين يرد» في إشارة إلى عدم ثقته بالمؤسسات الرسمية. وكأبو محمود كثر ممن توجهوا إلى المستشفيات المعنية بالتلقيح من دون أن يكونوا مُسجّلين، أو من دون أخذهم الموافقة».

 

ولا وصف سيكون أكثر بلاغة مما تدفق على شاشات الهواتف والتلفزيون من مشاهد لاكتظاظ كبار السن أمام أحد المستشفيات العامة والمُطالبين بتسجيلهم وتلقي اللّقاح، وهو ما يؤكد أن إدارة المواعيد بدائية وينتج عنها فوضى في التلقيح وأن الكميات قليلة والمدة الزمنية طويلة. وعطفاً على هذه الحادثة التي تكررت في أكثر من مركز للتحصين، يقول المدير الطبي في «المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية – مستشفى رزق» الدكتور جورج غانم لـ»نداء الوطن»، إنه «كان من المتوقع أن يحدث خلل ما في مكان ما لأنها المرة الأولى التي يستجيب فيها الطاقم الطبي لأزمة وباء بحجم وطن، بل بحجم العالم. إلا أن هناك العديد من المشاكل التي واجهتنا ونشير إليها من باب المطالبة بالحلول. فبكل شفافية، لم تكن منصة وزارة الصحة واجراءات مواعيدها متناغمة مع السرعة في التلقيح التي تمكنت بعض المستشفيات من تحقيقها. كما أن الوزارة لم تخبرنا مثلاً «اليكم هذه الجرعات لأسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة»، بل وزعت الكميات بطريقة لا أحد يعلم ماهية معاييرها. فمثلاً من المراكز من اتخذ قراراً بتحصين كل الأطقم الطبية باعتبارهم في الصفوف الأولى بغض النظر عن حصولهم على الموافقة من الوزارة – المنصة أم لا، وذلك من باب المنطق والارتياب ربما، وهنا لاحظنا أن هناك خللاً ما في الموافقات».

 

وأكمل غانم: «كما أن لقاح فايزر يتلف بعد ساعات على فتح القارورة التي تكفي 6 أشخاص وبعده أيام في البرادات العادية تتلف أيضاً، لذلك على المراكز استعمالها بأسرع ما يمكن على أكبر عدد من الناس بحسب الأولويات. وهنا لم تأخذ الوزارة الأمر بعين الإعتبار. وكان هناك العديد من الأشخاص الذين تخلفوا عن الحضور إلى المواعيد، فقامت بعض المستشفيات باستبدالهم عبر إعطاء مواعيد لمن هم مسجلون على منصة وزارة الصحة لكنهم لم يحصلوا على موعد منها، أي وخوفاً من تلف الجرعات التي تم تحضيرها للحقن، اتصلوا بأشخاص مسنين عبروا عن رغبتهم بالحصول على اللقاح ولكن لم يحدد لهم موعد. وهذا العمل ساعد بإعطاء الجرعات غير المستخدمة للمواطنين المسنين المحتاجين اليها، قبل أن يضطروا إلى إتلافها! والبعض الآخر أعلن عن أنه يستقبل أي شخص فوق الـ75 سنة ويريد أن يتلقى اللقاح، أيضاً خوفاً من «كب اللقاح بالزبالة». وهو عبارة عن ردة فعل سريعة لا يُقصد بها سوء تصرف أو فوضى».

وعليه يُفهم أن ردة الفعل العلمية تلك لم ترق لوزير الصحة، فهدد بإيقاف تسليم اللقاح للمستشفيات المخالفة اذا استمرت بهذا العمل، وألزمها باتباع مواعيد وزارة الصحة البطيئة والتي قد لا تأتي أحياناً. وهنا نسأل أكان يجب عليهم تلف اللقاح؟ أم أن تصرفهم كان في محله؟! ولماذا لا تتم معالجة المشكلة بدل استخدام لغة التهديد مع من هم في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء؟! وهل ما يحصل هو نتيجة قلة عدد اللقاحات ورغبة من الوزارة بعدم الإسراع كي لا تنتهي اللقاحات قبل استيراد الدفعة الثانية؟!

 

كما أشار غانم الى أن «المنصة لا تدير المواعيد بالطريقة التي تؤمن الفعالية الأكبر في توزيع اللقاح. وحتى الآن لا تعطي مواعيد بما فيه الكفاية، وما زالت غير متناغمة مع قدرة المراكز الاستيعابية للمستشفيات. فقد تبين لنا مثلاً أن المراكز الموجودة في بيروت عليها طلب أكبر بكثير من غير مناطق وقد أعطي بعض المستشفيات لقاحات أكثر من حاجتها. فمثلاً البارحة قدم إلينا 340 موعداً ولم يكن لدينا جرعات لإعطائهم في حين أن مستشفى آخر لا أريد تسميته بدون إذنه كان لديه 200 جرعة إضافية! وهنا يأتي ضعف التنسيق. فيجب مثلاً أن تكون هناك خلية عمل مركزية تستحصل على الأرقام بشكل دوري كل ساعتين، وتنسق في ما بيننا نحن المستشفيات».

 

ويتابع: «في بلدان أخرى، تعطي المراكز مواعيد اضافية تسجلها على المنصة للإسباب التالية: عدم حضور بعض ممن لديهم مواعيد (20%)، استخراج عدد لقاحات أكبر من كل قارورة فتزيد الكمية 15% تقريباً أي يمكن ان تعطى مواعيد أكثر بـ 35% من المعطاة حالياً». تفيد مصادر لـ»نداء الوطن» أن هناك كمية كبيرة من اللقاحات متاحة للبيع ويمكن استيرادها خلال أسابيع إذا أفسح وزير الصحة المجال لذلك. فلماذا لم يعط الضوء الأحضر للقطاع الخاص للاستيراد؟ فتارة يقول انه سمح بذلك ومن ثم يقول انه يريد من القطاع الخاص ان يدفع له الأموال ووزارة الصحة تستورد وتزوّد الشركات، علماً أن هكذا إجراء غير قابل للتطبيق لأن وزارة الصحة لا يمكنها قبض الأموال من أي جهة بشكل مباشر، وتحتاج إلى قانون خاص أو أقله مرسوم من مجلس الوزراء.

 

ومع أن القطاع الخاص لم يبد مثل هذا القدر من الاستهانة التي فاض بها الوزير إزاء «أمل استقدامهم للقاح»، إلا أنه بقي يحاذر أن المصنعين يرفضون بيع اللقاح لغير وزارة الصحة، وقد يكون ذلك صحيحاً مع بعض المصنعين لكنه لا ينطبق على الموزعين بالجملة للشركات عينها أو على مصنعين آخرين. وهو ما يترك الشعب، الذي يحتاج إلى أكثر من سنة بحسب هذه الوتيرة، ليقلع أشواك هذا الوباء بيديه، حتى يصل إلى وقت «مناعة القطيع» المنشودة خصوصاً أن ملف الصحة في لبنان لا ينطوي على كثير من الخيارات المريحة، بين انتظار الموعد وبطء قدوم دفعات اللقاح، إن لم نقل أننا نقف على حافة هاوية تزداد عمقاً في حين ان للمستشفيات الكبرى قدرة استيعابية أكبر مما تستخدمه اليوم وزارة الصحة. فبإمكان المؤسسات الاستشفائية الكبرى أن تجري 1000عملية تلقيح يومياً أي يمكن تلقيح 150 ألف شخص في مركزين فقط خلال شهر، وهي تقريباً الكمية الشهرية التي حصلت عليها وزارة الصحة من فايزر. أما الوزير فمنشغل بالتفاوض مع بعض من يريدون استيراد اللقاح بشروط «خاصة». والسؤال الأهم، لماذا سيسافر إلى روسيا للحصول على لقاح سبوتنيك؟ ومع من سيسافر؟ هل سافر الى الولايات المتحدة للحصول على فايزر؟ وهل سيسافر الى الصين للحصول على سينوفارم؟ من ينظم له رحلة روسيا وعلى نفقة من؟

 

عراجي: عوائق طبيعية

 

من جهته، اعتبر رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي لـ»نداء الوطن» أن كل ما حدث من مشاكل وعوائق طبيعي جداً في المرحلة الأولى من التحصين. على أن تكون الأسابيع الثلاثة الأولى، هي «التقليعة» للوصول تدريجياً إلى عملية تلقيح سلسة من دون أي عقبات. مؤكداً أنهم يتواصلون بشكل مباشر مع كل مدراء المستشفيات والمراكز لتدوين مآخذهم بهدف معالجتها، لا بل إن ملاحظاتهم ستكون عنصراً مهماً في الجهود المبذولة لمعالجة كورونا على المدى الطويل لعملية التحصين ولمواجهة الثغرات في توزيع اللقاح، كما حثّ على الشفافية في التوجه بالحلول مشدداً على أن لفت الإنتباه الى أي مخاوف هو مشكور. هذا وأعلن أنه ستتيح الدفعة الجديدة من اللقاحات القادمة قريباً رفع وزارة الصحة من وتيرة حملة التحصين لتحقيق الهدف الذي وضعته. بالمحصلة، وفي متاهة مواجهة الوباء، تبدو العودة إلى «قصة ابريق الزيت» عودة إجبارية ثقيلة على الشعب المُلتاع من كثرة الوعود وقلة الإنجاز. إذ تكونت قناعة نصف معلنة بأن لا شيء يمشي في مساره الصحيح ما لم يراقب عن كثب، وفي هذه الجزئية متابعة حتمية لهذا الملف على أمل تصحيح المسار.