هل هناك أسباب مخفيّة لمسألة التباطؤ في حملة التلقيح ضدّ فيروس الكورونا؟ وهل لهذه العملية خلفيات سياسية؟ هل التأخير طبيعي وعادي أم أنه مفتعل؟ وبالتالي هل يمكن أن يكون هناك قرار سياسي أبعد من القرار الطبّي والصحي؟ هذه التساؤلات تصبّ في ربط هذا التمديد لأزمة الكورونا بالتمديد لمجلس نواب 2018 مع أخذها حجة لعدم إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها في ربيع العام 2022.
في 22 أيار 2022 تنتهي حكماً ولاية مجلس النواب الحالي الذي تم انتخابه في 6 أيار 2018. قبل شهرين من هذا الإستحقاق من الواجب أن تجرى الإنتخابات النيابية التي يفترض أن تعيد تركيب التوازن السياسي داخل البرلمان. يعني ذلك أنّ هذه الإنتخابات يجب أن تجرى بين 22 آذار و22 ايار. لم يعد يفصل عن هذا الموعد إلا عام واحد. قبل عام تقريباً وصلت إلى لبنان الإصابة الأولى بفيروس كورونا. كان الحدث على متن طائرة آتية من الخارج على أحد مدارج مطار بيروت. بعد عام كان هناك احتفال باستقبال دفعة اللقاحات الأولى الآتية من الخارج على متن طائرة لطيران الشرق الأوسط. وفي استقبال الفيروس واستقبال اللقاح كانت الحكومة نفسها ووزير الصحة نفسه. على مدى عام كامل لم تبرهن السلطة الرسمية بكل أذرعها الطبية والصحية والأمنية والوقائية أنها على قدر المسؤولية. بعد عام على الإصابة الأولى التي جرت محاولات لنفيها يعجز لبنان تحت عبء هذا الوباء بحيث تتوالى قوافل الذين قتلهم هذا الفيروس إلى المقابر، ويتعالى رقم الإصابات المتجدد يومياً وتقفل الأبواب أمام استيراد الكميات اللازمة من اللقاحات، كأنّ المطلوب أن تتأجّل كثيراً مسألة احتواء الإنتشار الكارثي من أجل استيلاد كوارث أكبر على المستوى السياسي، طالما أنّ التلكؤ في مواجهة هذا الخطر يبقى غير مفهوم وغير مقنع، وطالما أنّ الدراسات التي ارتكزت إلى السرعة المعتمدة حالياً في التلقيح تقول أنّه لن يتمّ الوصول إلى مستوى التلقيح الكامل نسبياً إلّا بعد ثلاثة أعوام على الأقل.
لعلّ الإختبار الأول لهذه المسألة سيكون مع الإنتخابات الفرعية التي أعلن وزير الداخلية العميد محمد فهمي أنه يمكن أن تجرى في حزيران المقبل بعد انتهاء الصوم عند الطوائف المسيحية وشهر رمضان عند الطوائف الإسلامية، هذا إذا وافق رئيسا الجمهورية والحكومة المستقيلة على إجرائها. في ظل عدم توفر الإمكانات المادية والظروف السياسية وغياب القرار والشلل الإقتصادي والتشتت الأمني. قد يكون استمرار انتشار “الكورونا” هو المخرج من حتمية هذا الإستحقاق من الناحية الدستورية على رغم أن استحقاقات سابقة مماثلة لم تُحترم لأسباب مختلفة. ثمّة من يعتبر أنّه طالما أن موعد الإنتخابات النيابية الأساسي سيكون بعد عام تقريباً فلماذا المغامرة بانتخابات فرعية إذا أُجريت لن يكون بالإمكان عدم إجراء الإنتخابات في موعدها، وثمّة من يعتبر أيضاً أنّه عندما يتمّ تأجيل هذه الإنتخابات الفرعية بسبب “الكورونا” فلن يعود مستغرباً أن يكون هذا السبب أيضاً كافياً لتأجيل الإنتخابات النيابية. ومن هنا يربط البعض بين التمديد لـ”الكورونا” والتمديد للمجلس النيابي. هذا الربط لا يعود لأسباب صحية بل لأسباب سياسية تتعلق بما إذا كان بالإمكان أن يحدث التغيير في موازين القوى بطريقة ديموقراطية أم لا.
سقط الرئيس رفيق الحريري شهيداً في 14 شباط 2005 قبل ستة أشهر من الإنتخابات النيابية التي كان من المتوقع أن تشكل انقلاباً على عهد الوصاية السورية و”حزب الله”. معظم الإفادات السياسية التي أدلى بها شهود كثيرون أمام المحكمة الدولية في هولندا تحدثت عن هذا الموضوع الذي استفاضت هيئة المحكمة وجهة الإدعاء في التركيز عليه، للملمة الأسباب الموجبة التي أدّت إلى اتخاذ القرار بالإغتيال. صحيح أن القرار 1559 الذي طلب خروج القوات السورية من لبنان ونزع سلاح “حزب الله”، وإجراء انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري وعدم التمديد للرئيس أميل لحود كان أحد الأسباب، إلا أنه بعد حصول التمديد وبعدما وافق الرئيس الحريري تحت الضغط على مجاراة القرار السوري بعدما هدّده رئيس ذلك النظام بشّار الأسد، صار قرار الإغتيال مرتبطاً أكثر بنتائج الإنتخابات النيابية.
القوى التي تجمّعت في المعارضة إلى جانب الرئيس الحريري الأب والوزير وليد جنبلاط والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير ولقاء قرنة شهوان، كان من المتوقع أن تحصد الأكثرية النيابية. بعد انكسار النظام السوري المحدود في انتخابات العام 2000 لم يكن من الممكن تقبّل انتصار كبير في انتخابات 2005. لذلك كان مطلوباً قطع الطريق على هذا الإنقلاب بطريقة دموية ومن هذه الخلفية تمّ ربط قرار اغتيال الرئيس الحريري بموعد هذه الإنتخابات. فالنظام السوري مع “حزب الله” لم يكونا في وارد تحمّل مثل هذا الأمر، وبالتالي تقبُّل نكسة ثانية بعد نكسة القرار 1559. كانوا يريدون أن يوقفوا عملية التغيير بالقضاء على أحد اقطابها. ولكن ذلك الإغتيال لم يمنع حصول الإنقلاب النيابي في ربيع 2005. اعتباراً من تلك التجربة لن يحب “حزب الله” لاحقاً الإحتكام إلى هذه اللعبة الديموقراطية إلا إذا كانت في مصلحته. ولذلك لجأ بعد اغتيال الحريري إلى إلغاء نتائج هذه الإنتخابات بانقلابات سياسية وأمنية وعسكرية لمنع أي حكومة أكثرية من أن تحكم ثم لمنع تشكيل أي حكومة لا يوافق عليها ولا يكون حكم إسقاطها بيده.
التوقعات بالنسبة إلى الإنتخابات النيابية المقبلة لا تبعد كثيراً عن التوقعات للإنتخابات التي كانت ستحصل في ربيع 2005. وبالتالي يمكن أن تكون المواجهة بالطريقة نفسها. ليس صحيحاً أنّ قانون الإنتخابات الذي أقر في العام 2017 وجرت على اساسه انتخابات 2018 هو الذي أعطى الأكثرية النيابية لـ”حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”. الأصحّ أنّ لعبة التحالفات التي لم تكن واضحة بالنسبة إلى “تيار المستقبل” وبعض التيارات المسيحية هي التي وضعت هذه الأكثرية هناك. اليوم هناك شعور بالهزيمة لدى تحالف “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ” قبل أن يحين موعد الإنتخابات، ولذلك هناك رفض بالمطلق لأي انتخابات مبكرة لأن طرفي المحور الواحد لن يكون بإمكانهما أن يحتفظا بالأكثرية، وربما لذلك لن يتردّدا في منع حصول الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري مطلع العام المقبل. بالإضافة إلى ذلك فقد جرت انتخابات 2018 في ظلّ انتظار بعض هواة التسلّق السياسي تحصيل مكاسب، من خلال التحالفات مع هذا المحور في ظل عهد الرئيس ميشال عون الذي لم يكن قد تآكل وانتهى بعد، وكان يبشّر ببداية جديدة مع ما سمّاه حكومة العهد الأولى. ولكن ظهر سريعاً أن تلك الحكومة التي تشكّلت بعد الإنتخابات برئاسة الرئيس سعد الحريري وتحت سقف التسوية الرئاسية التي انضوى فيها من دون معارضة، كانت الطريق الأسرع لكتابة نهاية العهد والحكومة مع ثورة 17 تشرين.
في ظلّ ثورة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وتداعي هيكل “التيار الوطني الحرّ” بسلالته المتحوِّرة برئاسة الوزير جبران باسيل، لا يمكن أن يقبل “حزب الله” و”التيار” الخسارة الكاملة وتغيير الأكثرية النيابية التي ستنتخب الرئيس المقبل للجمهورية. في حال لم تطرأ تغيرات كبيرة مفتعلة تحول دون استكمال هذا الإستحقاق يمكن أن يكون التمديد لـ”الكورونا” مفتعلاً من أجل فرض التمديد للمجلس الحالي الناقص، وفرض انتخاب رئيس بدل عن ضائع، أو ترك البلاد بلا رئاسة وبلا رئيس وربما لإبقاء الرئيس عون في قصر بعبدا. وعندها تكون الجريمة الأكبر. جريمة اغتيال شعب كامل ثانية بـ”الكورونا” بعد جريمة اغتيال بيروت في 4 آب2020 وبعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005. عندما تكون النتائج المنتظرة واحدة قد تكون طريقة التصدّي لها واحدة.