فقط في لبنان، يبقى فيروس “كورونا” أعدل على اللبنانيين ممّن يتحكّم برقابهم. فلا طائفية في الإصابات، ولا محسوبيات ولا استزلام قائماً على المحاصصة.
فهذا الفيروس ينتهج نهج الإنتفاضة التي هتفت ذات يوم: “كلّن يعني كلّن”.
في المقابل، تلعب الإستنسابية لعبتها الوسخة عندما تتّخذ القرارات بالتصويت في ما يخصّ الإجراءات الرسمية لمواجهة الفيروس، وذلك بعد أن تعبر التوصيات من لجنة إلى أخرى وبالمقلوب. وعوضاً أن تقدّم المعطيات الإستشفائية والأمنية والغذائية والإقتصادية إلى اللجنة الطبّية لتقرّر الأنسب علمياً، يتمّ تهميش دور هذه اللجنة المتخصّصة لتبقى توصياتها هي الأضعف، فلا يتمّ الإلتزام بها حرفياً.
ماذا يعني أن يصار إلى التصويت بمواجهة مرض يقتل؟ هل المقصود أن تتمّ المفاضلة بين الأعداد المحتملة للضحايا المرتقبين؟ أو أيّ الشرائح الاجتماعية يمكن تخصيصها بالعلاج أو إهمالها لتموت؟ أم المقصود أن يخرج رئيس لجنة إدارة الكوارث اللواء الركن محمود الأسمر بعد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا تحديداً، ليعدّد أسماء الحضور الذين يفوق عدد السياسيين والأمنيين بينهم عدد الأطباء والإختصاصيين، ومن ثمّ يتلو كلمتي كلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، الخاليتين إلا من الإنشاء وتسجيل المواقف وتحميل الناس مسؤولية ما يصيبهم. وكأنّ الحكم هو ملح الأرض في كلّ مكان إلا في لبنان.. وعن سابق تصوّر وتصميم؟
ولا عجب. فكلّنا نذكر لقاء تجمّع أصحاب المطاعم والملاهي مع الرئيس ميشال عون قبل موسم الأعياد، وخروجهم ليزفّوا إلينا أنّ الأفراح والليالي الملاح ستكون عامرة وزاهرة.
وكلّنا نقرف من هذه السلطة التي لم تفطن إلى عدم وجود قوانين تتعلّق بالكوارث والأوبئة والنكبات. وكلّ أيامنا بفضل هذه المنظومة وفسادها كوارث ونكبات وعجز عن مواجهة ما هو أقلّ بكثير من الوباء.
وكلّنا نضع أيدينا على قلوبنا بشأن القوانين التي ستصدر وإمكانية تطبيقها، ومدى تدخّل المحاصصة والإعتبارات المذهبية والكيديات في طريقة توزيع اللقاحات… هذا عدا الصفقات المرتقبة والسوق السوداء التي سترافق وصول هذه اللقاحات.. ولنا في فقدان آلات قياس الأوكسجين وتهريب الأدوية والوقود والسلع المدعومة وغيرها وغيرها.. ألف دليل.
والسبب أنّ المسؤولين الذين يفترض أنهم ممسكون بزمام الأمور، لديهم كلّ الصفات والخصال الحميدة باستثناء التمتّع بحسّ المسؤولية تجاه الشعب اللبناني.
وبالتأكيد، الحقّ ليس عليهم. ربّما على التسريبات التي، وقبل صدور قرارات الإقفال التامّ، سرّبت الخبر ليعيش اللبنانيون يوم حشر مخيف.
أو ربّما الحقّ على الجوع العتيق الذي تسبّب بجحيم التسوّق وجنونه، لا سيّما في المناطق المصنّفة “مترفة” بشكل أو بآخر، لتنفد السلع بسرعة البرق، وتفرغ الرفوف وكأنّ المجاعة على الأبواب وليس فيروس “كورونا”، في حين يعجز فقراء الوطن الذين يشكلّون نسبة تفوق نصف عدد السكان عن شراء ربطة الخبز التي تمّ تهريب رفع سعرها.
وتبقى المسؤولية على المواطن المستهتر لأنّ لا دولة تردعه، ولأنّه لا يشعر بالأمان اذا لم يملأ خزائنه بالمؤن المرشّحة للنفاد وارتفاع الأسعار.
والحصيلة ستكون مزيداً من الإصابات والضحايا، بالإضافة الى المزيد من استغلال الأوضاع المأسوية، بلا حسيب أو رقيب.
وبعد كل هذه الفوضى “خلّيكم بالبيت”.. لكن لا تنسوا أن فيروس “كورونا” يبقى أرحم من فيروسات هذه المنظومة الفاشلة والعاجزة والفاسدة.