Site icon IMLebanon

رحيل الأشقاء “طوبيا” و”نبهان” والجين القاتل

 

أسرار “الجينوم البشري” يفضحها “كورونا”

 

الممرضان الشقيقان روبيرتو (29 عاماً) وروميل (32 عاماً) طوبيا، ابنا بلدة القليعة الجنوبية الجميلة توفيا، بفارق أيام، بعد معاناة شديدة مع فيروس كورونا. البريطانيتان التوأم إيما وكاتي توفيتا بعد إصابتهما بالفيروس. اللبنانيان جوزف مسعود ووالدته رينيه توفيا، بفارق أسبوع واحد، بسبب كورونا. الأشقاء الثلاثة عمرو وأيمن وأمجد، من “قنا” في مصر توفوا بسبب كورونا. فيروس كورونا قتل الشقيقين الموسيقيين الإيرانيين محمد ومجيد جمشيدي. زياد وميلاد نبهان، من كفرزبد، خطفهما كورونا في أسبوع. الشقيقان التركيان محرم ونوري… فهل علينا أن نطوي الصفحة ونقول: فلترقد أنفسهم في السماء أم علينا أن نسأل ونلح عن السبب الذي يجعل إخوة وأخوات يضعفون أمام الفيروس اللعين ويرحلون معاً؟ ألا يفترض أن نسأل: ماذا عن دور الجينات في السماح لهذا القاتل المتسلل بالقضاء على عائلات بالجملة في حين قد لا تظهر حتى أعراض على آخرين من نفس العمر والحالة؟

 

الإختصاصيون في علم الجينات، في العالم كله، ينشطون في البحث عن الجينوم الذي يعبث ببعض الأجساد والإخوة والأخوات والعائلات، ولكن، حتى هذه اللحظة، لا يوجد دليل علمي واضح يجعلهم يقولون بالفم الملآن: هذا هو الجين المسؤول عن موت الإخوة والأخوات والأم وابنها. لكن، سنعود ونكرر: هل يتحمل الجينوم البشري مسؤولية عدم قدرة الشقيقين روبيرتو وروميل على مواجهة الفيروس؟ الباحث في العلوم الوراثية في كلية جيلبير وروز ماري شاغوري للطب في الجامعة اللبنانية الأميركية البروفسور بيار زلوعة يستخدم في إجابته لغة التأكيد: “أكيد، تلعب الجينات الدور الكبير كون لها علاقة بالمناعة والدم والسيلان وسيتبين عاجلاً أم آجلاً دورها في عدم قدرة بعض الأجسام، ولا سيما في العائلة الواحدة، على مواجهة الفيروس” ويشرح: “هناك حالات موت كثيرة ضمن العائلة الواحدة، في لبنان وفي الخارج، تجعلنا نتكهّن بوجود جينات تعزز حدوث مضاعفات كوفيد-19، قد تكون لها علاقة بنظام المناعة. ثمة جينات لدى بعض الاشخاص تعزز الاستعداد لحدوث مضاعفات، لكن لا دراسة حتى اللحظة تحدد هذه الجينات. لكن بلا شك هناك عوامل جينية”.

 

ما رأي الاختصاصي في علم الجينات نمير سيوفي؟ هو يؤكد ما ذهب إليه زلوعة ويشرح: “لا براهين تشير حتى اللحظة الى تأثير الجينات في ذلك، بدليل ان لا ورقة علمية نُشرت حتى الآن في هذا الشأن، على الرغم من وجود أبحاث كثيرة لكنها لم تخلص بعد الى نتيجة” ويستطرد بالقول “هناك احتمال كبير ان يكون الاولاد قد ورثوا أمراضاً معينة داخل العائلة الواحدة، من والدتهم او من والدهم، لكن لأنهم ما زالوا شباباً وشابات لم تظهر عليهم، وحين أصابهم كورونا ضرب نقاط الضعف لديهم. هذا الأمر يتطلب مزيداً من التشخيص والدراسات خصوصاً انه لا يوجد “سجلّ صحي” لهؤلاء الشباب في المستشفيات بسبب عدم ظهور أي أعراض سابقة عليهم، ما يجعل الكثيرين يقولون عنهم: قتلهم كورونا وهم يافعون وبصحة ممتازة”. يُشبّه سيوفي الجينات على الشكل التالي: يأخذ الانسان جين الحمض النووي من الأم ومن الأب فيتم الدمج بين الحمضين، مثل حال انسان ما يقوم بإجراء نسخات “فوتوكوبي” على ماكينة وهناك احتمال حصول خطأ ما في كل مجموعة، ولنقل من كل مئة نسخة، وهنا قد يمزق الناسخ الورقة اما في الجينات فتؤدي الى خلل في التركيبة الجينية قد يرثها الأطفال كما في حالة أطفال متلازمة داون. هذا الخلل الجيني يحصل مرة واحدة ولا ينتقل من شخص الى آخر. أما الأمراض الوراثية مثل السكري والقلب فتنتقل في العائلة الواحدة”.

 

نفهم من كل هذا ان لا مؤشر بعد لتأثير الجينات بالنسبة الى سيوفي في ما تؤول اليه حالات بعض المصابين ضمن العائلة الواحدة “بل هذا قد يكون سببه الامراض الوراثية غير الظاهرة”.

 

نعود الى البروفيسور زلوعة لسؤاله: هل تجدون أنفسكم كباحثين في العلوم الوراثية والجينات عاجزين عن اكتشاف القطب المخفية التي تحول دون حصول كثير من الوفيات؟ يجيب: “اتوقع ان نصل خلال اشهر قليلة الى حقائق واضحة حول تأثير الجينات على المصابين بالفيروس والمضاعفات التي قد تؤدي إليها. سنتبين بالتأكيد دور الجينات الى الأدوار الأخرى مثل البدانة والعمر والجنس” ويستطرد بالقول “بيّنت دراسة قمت بها ان 65 في المئة من المصابين في لبنان رجال و35 في المئة نساء”.

 

هل السبب في ذلك ما تناقلته بعض الأبحاث ان الذكور لديهم كروموزوم X و Y، ما يعني ان لديهم نسخة واحدة من جين TLR7 الموجود في كروموزوم X وهذا الجين ضروري لمواجهة الفيروس في حين لدى النساء كروموزوما X؟ يرفض زلوعة هذه المعادلة التي يتناقلها البعض ويقول: “لا، ليست هذه المعادلة ثابتة اما الأكيد فهو ان النساء يتمتعن بهورمونات الأستروجين وبنظام مناعي اقوى وهن يعمّرن أكثر”.

 

ماذا عن القول بأن النساء اللواتي أنجبن هن محميات أكثر؟ يجيب “هذا هو موضوع دراستي المقبلة”.

 

علينا أن ننتظر بضعة أشهر كي نتأكد من تأثير الجينات وتسببها في موت “الأخوين” و”الشقيقتين” و”الأم والإبن”… ويقول “العمل الذي كنا نحتاج لننجزه في علم الجينات الى سنين بات يتطلب أشهراً فقط. وحين سنكتشف من هم الأكثر عرضة جينياً لتدهور حالتهم عند الإصابة بكورونا قد نضع خطة من أجل تلقيحهم أولاً. هكذا نحمي مجتمعاتنا”.

 

 

الشيفرة الوراثية

 

المعلومات ضرورية دائماً. وهذا يعيدنا الى كل الكلام الذي ذاع قبل عامين عن الطب التشخيصي وثورة الرعاية الصحية المشخصنة. وفي هذا الإطار قال رئيس قسم علم الأمراض في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور رامي محفوظ: “أصبحنا قادرين على فضح الشيفرة الوراثية والأسباب الجينية لكثير من الأمراض. فالطب تطور والتكنولوجيا سرّعت ذلك كثيراً. فما عدنا ننظر في الطب الى المريض كعينة أو كرقم بل بتنا نحصل عبر خزعة منه على بيانات و”داتا” تتيح لنا اختيار كيفية التعامل مع الحالة بمعزل عن العلاجات التقليدية العامة”.

 

العالم إذا كان يتجه من قبل الى العلاج المشخصن في سبيل الوصول، في يوم ما، الى تطبيق فحص الجينوم الكامل. لكن، أتى فيروس كورونا وانتشر بسرعة قياسية وهناك في الجينوم البشري نحو 30 ألف جين، واكتشاف الجينات التي تؤثر في حالات كورونا يتطلب الكثير من التركيز عليها لتحديد اي من الجينات المشاركة في جهاز المناعة البشري. وهذا ما قد يتضح خلال أشهر.

 

الى حين يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود دعونا نراجع بعض الأبحاث غير النهائية فلربما نفهم أكثر.

 

يكثر تداول الكلام عن جين الأنترفيرون، وهو بروتيني مناعي يطلقه الجسم للتعرف على الفيروسات ومسببات الأمراض الأخرى، لكن هناك اشخاصاً يحملون نسخاً من هذا الجين معيبة لا تنتج ما يكفي من هذا البروتيين الأساسي. وهؤلاء قد تأتي إصاباتهم بعدوى كورونا شديدة. فهل جرت دراسة تشخيصية على الأشقاء الذين ماتوا “واحداً وراء الآخر” لتبيان صحة هذا التكهن الذي لم يُثبت بعد؟.

 

كل ما يدور حولنا، منذ خمسة عشر شهراً، يدخل في باب التكهنات. ومعلوم ان الإهتمام الأكبر اليوم ينصبّ على الأمور التي لا تُصنف نادرة، حتى ولو كان ما يعتبرونه نادراً يتكرر. فموت شقيقين وشقيقتين وام وابنها واب وابنته من المشاهد المصنفة نادرة حتى ولو تكررت.

 

حاملو الفئة ِ A في خطر

 

نتابع مراسم دفن الشقيقين روبيرتو وروميل. نرى الشباب الذين يلتحفون بلباس كورونا يرقصون بالنعشين على وقع صلاة: يا عدرا المعونة فتحيلي السما لعندك انا جايي وبقلبي مخباي صلاة للسماء وعلى الأرض قتلوني وبرصاصة رميوني ورفقاتي لسبقوني نطروني بالسما”. ترى كم روبيرتو وروميل بعد وبعد سننتظر قبل ان تخبرنا الجينات والابحاث عن كيفية مواجهة هذا البلاء؟

 

قبل ان نختم نسأل البروفسور زلوعة عما يقال ان من يحملون فئة الدم من نوع A قد ينتهون في غرف العناية الفائقة اكثر بنسبة خمسين في المئة من حملة فئة الدم O؟ يجيب: “هذه المعلومة صحيحة لجهة الإصابة لا النتيجة، حيث ان من يحملون فئة A قد يصابون أسرع من إصابة من يحملون فئة الدم O. ولا شيء غير ذلك”.

 

قبل ان ننهي نصغي الى الباحث في العلوم الوراثية وهو يخبر أنه كبُر في عام واحد، في 2020، عشر سنوات. فما نعيش فيه يصيب البشر عموماً في ذهول كبير أما حالنا هنا في لبنان، مع الأفكار والخطط المعتمدة، فتشبه حال ذلك الرجل الذي ذهب ليشتري دجاجة. فقصد محلاً لبيع الدجاج فقالوا له: صالة البيع موجودة في الطبقة الثانية. صعد. وهناك سألوه: هل تريد الدجاج مقطعاً او دجاجة كاملة. أجاب. فقيل له: اصعد الى الطبقة الثالثة. وهناك سألوه: أتريد الدجاج في كيس او بلا كيس. أجاب. فقالوا له: اصعد الى الطبقة الرابعة. فعل. وهناك قالوا له: نأسف فليس لدينا دجاج”. واللبيب من الإشارة يفهم.