قبل يومين، رمى رئيس التفتيش المركزي، جورج عطية، الطعم، متحدثاً عن تلقيح عدد من المستشفيات 6239 شخصاً خارج المسجّلين على المنصة الإلكترونية، ثم مضى. قامت الدنيا ولم تقعد، ثم خرجت مستشفيات لتصحح الخطأ، ومن بعدها مصادر وزارة الصحة العامة لتشير إلى «عبثية» التقرير الذي ينقل عن المنصة التابعة للوزارة نفسها. تقول هذه الأخيرة إن «صيدة» التفتيش جاءت في فترة «الخطأ التقني» الذي حدث في المنصة في الأيام الأولى من الإطلاق. فهل أخطأ «الريّس» بتقريره؟ أم أن هناك فعلاً من عبث باللقاحات في غياب المنصة عن العمل؟
منذ اليوم الأول لإطلاق المنصة الإلكترونية للقاحات، أوكل التفتيش المركزي بمهمة «الرقابة الرقمية» على عمل المنصة. وكان الهدف من تلك المهمة تتبع مكامن الخلل والإضاءة عليه للعمل على تصحيحه، إضافة إلى تقديم بعض الحلول والتوصية بها إلى وزارة الصحة. مع انطلاق عملية التلقيح، أصدر التفتيش تقريرين مرّا بشكلٍ عابر، إلى أن صدر قبل ثلاثة أيام التقرير الثالث، الذي أعلن من خلاله رئيس التفتيش، القاضي جورج عطية، عن «قطبة مخفية» أدت إلى سقوط 6239 لقاحاً من اللائحة الرسمية للمنصة. وقد لمّح إلى أن تلك اللقاحات لم تسقط سهواً، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات السقوط عن سابق تصميمٍ وتصوّر.
كان يمكن لذلك التقرير أن يمرّ بلا ضوضاء، لكن «البرستيج النيابي» الذي كاد يودي بالدعم الدولي في قضية اللقاحات، جعل الدويّ أقوى، مع الحديث عن «تلقيح 17 مستشفى من أصل 23 ما يقرب من 6 آلاف و200 شخص من خارج المنصة، فيما كان عدد الذين لقّحوا على أساس المنصة 9619 شخصاً». رمى عطية الطعم، ثم مضى. ومنذ صدور التقرير، لم يتبنّ أحد ما جرى. كانت الرواية الموحدة بين الجميع أن «خطأً تقنياً» طرأ على المنصة في الأسبوع الأول أدى إلى ذلك الخلل. وفي المعلومات التي أعلنها رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور عاصم عراجي، بعد «السؤال في وزارة الصحة العامة، فإن ما جرى هو أن هناك بعض العقبات التي واجهت فريق العمل في المنصة الذي لم يستطع في الأيام الأولى إرسال الأسماء المستهدفة ضمن المرحلة الأولى إلى المستشفيات والمراكز المعتمدة للتلقيح». ولهذا السبب، «باتوا يرسلون الأسماء إلى المستشفيات في المناطق من خارج المنصة». وهو التعليل نفسه الذي خرجت به مصادر من وزارة الصحة العامة لتشير إلى الخطأ التقني نفسه الذي حصل في المنصة، وخصوصاً أنها «عملية جديدة، وكان من الطبيعي أن نواجه فيها بعض العقبات». أضف إلى ذلك «الأعطال التي طرأت على شبكة الإنترنت في هيئة أوجيرو».
صحّح مستشفيا بعبدا وطرابلس الأرقام التي أوردها التقرير وأرسلا الإثباتات إلى وزارة الصحة
وبسبب ذلك «لم نستطع مثلاً إرسال الأسماء المستهدفة إلى المستشفيات سوى بمعدل الثلث، ومن هنا عملت المستشفيات على تلقيح كل من كان قد تلقى رسالة وتسجيل الأسماء التي لم تأت عبر المنصة في لوائح على حدة، تمهيداً لإرسالها إلى المنصة لإعادة تسجيلها». في تلك الفترة بالذات، حدث النقص، وبما أن «التفتيش يأخذ الأرقام عن المنصة، فمن الطبيعي أن يبرز ذلك الفارق»، هذا ما تؤكده مصادر وزير الصحة العامة، حمد حسن… وإن كانت هذه المصادر «لا تنفي حدوث بعض الخروقات، ففي مقابل مستشفيات فعلت ذلك عن حسن نية، هناك البعض ممن لجأوا إلى تلقيح أشخاص من خارج الطاقم الطبي والصحي».
إلى الآن، لا جواب نهائياً حول تلك «الخروقات»، ولا أحد يمكنه أصلاً إثبات أن تلك الآلاف الستّة التي أوردها التفتيش المركزي هي «مخالفة»، لناحية خروج بعض «المتهمين» وإثبات عدم صحة التقرير، ومنها مستشفيا بعبدا وطرابلس اللذان أثبتا «بالقلم والورقة» أن التطعيم استهدف العاملين والأطباء، وإن كان الرقم قد ورد خارج المنصة، إذ أرسلت إدارتا المستشفيين الملفّ إلى وزارة الصحة العامة.
إلى ذلك، أصدر المركز الطبي في الجامعة الأميركية، بياناً يشير فيه إلى أن «التقرير غير صحيح ويخلو من الدقة»، لافتاً إلى أن «التسجيل على المنصة يتم على 3 مراحل. ففي المرحلة الأولى، يسجل المواطن طلبه على المنصة. في المرحلة الثانية، ترسل المنصة رسالة نصية يطلب من خلالها أن يقوم المواطن بتحديد موعد لتلقي اللقاح. وفي المرحلة الثالثة، تقوم المنصة بإرسال لائحة بالأشخاص الذين حددت مواعيدهم إلى مركز التلقيح». ولكن، «عند افتتاح المنصة، تبيّن أن هناك موعداً واحداً فقط مسجلاً عليها. عندها، وبحضور وزير الصحة العامة حمد حسن ورئيس اللجنة الوطنية للتلقيح الدكتور عبد الرحمن البزري، ومستشار وزير الصحة الدكتور محمد حيدر ومندوبين عن شركة فايزر، طلب من إدارة المركز الطبي البدء بتلقيح العاملين الصحيين لديها وذلك بسبب خلل المنصة».
وفي هذا الإطار، تورد مصادر الوزارة سبباً آخر لعدم صحة ما ورد في تقرير التفتيش، وهو أن «التفتيش يتلقى المعلومات من المنصة التابعة للوزارة أصلاً، ولذلك بما أن المستشفيات كانت قد سجلت الأسماء التي لقحتها خارج المنصة بسبب العطل على ملفات جانبية وأرسلتها إلى الوزارة، فإن الأخيرة لم تكن قد أدخلت الداتا كاملة».
مع ذلك، لا تنفي تلك التصحيحات ولا البيانات كل ما ورد في التقرير. فبحسب مصادر وزارة الصحة، ثمة مستشفيات «عبثت» باللقاحات في «غيبة» المنصة «وقد أرسلنا إنذارات إلى عددٍ منها خلال تلك الفترة، بعضها التزم، فيما البعض الآخر استمر بالتغاضي». وفي هذا الإطار، من المفترض أن تحمل الأيام المقبلة «الجواب النهائي»، استناداً إلى البيانات التي أرسلتها المستشفيات عن تلك الفترة بناءً على طلب الوزارة. وخلال اليومين الماضيين «تقدمت 11 مستشفى بتقاريرها على دفعات، على أن يجري تنزيل تلك الأرقام ومقارنتها ومطابقتها مع المستهدفين ضمن المرحلة الأولى». وعلى أساس «ما ستبرزه الداتا، سيدفع المخالفون ثمن ما صرفوا، لأن كل الأمور مسجلة بالأسماء وفي أي ساعة، ومن أخذ اللقاح وأين وكيف».
ليس بعيداً عن اللقاحات، لا تزال عدّادات الفيروس في البلاد على استقرارها، حيث سَجَّلت أمس أرقاماً قريبة من اليومين الماضيين. وفي هذا الإطار، سجّل عدّاد الإصابات 3373 إصابة، فيما سجّل عدّاد الوفيات 50 ضحية رفعت العدد إلى 4610 حالة وفاة. أما عدّاد حالات الاستشفاء والذين يحتاجون إلى غرف العناية الفائقة، فلا يزال عند عتبة الخطر مع تسجيل 915 حالة في العناية الفائقة بزيادة حالتين عن أول من أمس.