ملاك تروي قصة البحث عن سرير لطفلها ابن الشهرين
على أعتاب الانتصارات الوهمية لوزارة الصحة، بات لزاماً قطع حبل التبريكات والتشكّرات لحلّ “أزمة أوكسيجين” هامشية وردّ المعنيين بملف الصحة إلى الواقع الأليم والمُخيف الذي يعانيه أطفال لبنان ورُضّعه، إن أُصيبوا بفيروس كورونا. إذ ترفض المستشفيات الرسمية استقبالهم، ونخصًّ منهم من يُعانون مرضاً مزمنا|ً كالصَّرع أو السَّرطان أو السُّكري أو الرَّبو أو حتى من فيروس نقص المناعة المُكتسب، فتكون تداعيات كوفيد-19 عليهم قاتلة. التقصير مريب والحجّة واحدة: “الاكتظاظ” وعدم وجود “أسرّة كورونا للأطفال”!
منذ استيلاء فيروس كورونا على السلطة في قطاع الصحة قبل نحو عام ونيّف، تُعاني الأمهات اللواتي أُكْرِمْن بطفل ذي أوضاعٍ صحيةٍ خاصة من أسوأ ظروف يمكن تخيّلها… ويخضعن لقوانين رسمية صارمة غفلت عن احتياجات أطفالهنّ، فتُركن في هشاشتهنّ يصارعن لانقاذ فلذات أكبادهن وحيدات، إذ أن كل المستشفيات ترفض استقبال “أطفال كورونا” في ظلّ الارتفاع الكبير والمتسارع في أعداد المصابين من كبار السن، وبذريعة أن نسبة الوفيات بين الأطفال بسبب كورونا ضئيلة جداً، وأن المستشفيات الرسمية مكتظة ولعدم وجود أسرّة في غرف العناية المركزة، خصوصاً في الآونة الأخيرة. هكذا هو الوضع حرفياً، وهو ما عانته لأكثر من ثلاثة أيام المواطنة ملاك اللبابيدي منصور مع طفلها “أمير”، الذي التقط الفيروس المشؤوم ولم يتم الشهرين من العمر كما يُعاني منذ ولادته من مرض “الصرع” أو ما يُطلق عليه عامةً “الكهرباء بالرأس” مما يُحفّز نوبات الصرع ووتيرتها.
“ثمة مزيج خطر من عدم الرحمة والافتقار إلى التخطيط في تعامل المستشفيات، رسمية كانت أم خاصة مع “الفقراء” في لبنان. مهما تكن الخلفيات التي رُفض إبني بسببها لأيام متتالية، لا ينفع التبرير لو فات الأوان وخسرته” بهذه الكلمات تقص اللبابيدي ما عانته لـ”نداء الوطن”. وتتابع: “أولاً، أنا مواطنة لبنانية الهوية، شعرت كما لو أنني في أخد مخيمات اللجوء خارج وطني “أشحد” المساعدة، بدأت العوارض على طفلي أمير منذ ثلاثة أيام وعرضته على طبيبه الذي أمر بإرساله إلى المستشفى بشكل فوري لسبب أن إصابته بفيروس كورونا قد حفزت نوبات الصرع لديه وبات يعاني من “كريزا” بمعدل مرة كل ساعتين، وينخفض الأوكسيجين حتى 35 درجة بدل 90 ويتحوّل لونه إلى الأزرق ويخرج من فمه “رغوة بيضاء”، ومن ثم يهدأ لكن مع ارتفاع حاد بالحرارة وتعب وارهاق وتعرّق مستمر. ذهبت إلى مستشفيات عدة بلا جدوى “لفيت لفة العروس والكل قال لي أن أذهب إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي وهناك، رُفض دخول ابني أيضاً. تواصلت مع الحكيم فقال لي: انصبي خيمة على باب الطوارئ ولا تتحركي حتى يتابعوا الطفل. شعرت حينها بالخذلان، هل يجب عليّ كأم أن أنظّم مظاهرة وأقطع طريق مثلاً كي يُعالج طفلي؟!”.
وتتابع “تواصلت بعدها مع ابنة خالتي التي تواصلت مع الدكتور عاصم عراجي والذي حاول مساعدتها وأرسل إليها رقم الدكتور محمود حسون مسؤول وحدة العناية المركزة في مستشفى بيروت الحكومي، وهو أرسلها بدوره إلى الدكتور عماد شكر الذي بدا متعاوناً إلا أنه شدد على أنه ليس هناك من أسرة فارغة وهنا شعرت بالتعب الشديد وقلت له إنني سأراقب ابني في المنزل إلى حين أن يعاني من “كريزا” فأحضره، وهكذا كان، أيام بين الأخذ والرد ومن “هالك إلى مالك إلى قباض الأرواح” حتى فجر الأحد بدأت وتيرة الصرع تتقارب وشعرت أن ابني يموت حرفياً. أخذته إلى المستشفى مسرعة وهناك رفض شخص لا اعلم ان كان ممرضاً أم طبيبا واسمه “اسامة سرحال” قبول ابني حتى في الطوارئ، وهنا فقدت أعصابي كلياً وبدأت بالصريخ وكل هذا بلا جدوى لا بل أصر المدعو سرحال على أن حالة ابني لا تستدعي دخول مستشفى ورفض مراقبته في قسم الطوارئ والذريعة واحدة “الطفل أقوى من الكبير في السن، وكورونا لن تؤذيه”!! بعدها ساعدنا أحدهم لادخال طفلي إلى “مستشفى الزهراء” على أن أحضر مليوني ليرة كمبلغ أوّلي، والباقي “الله يستر” وهنا أسأل، هل الفقراء في لبنان مصيرهم الموت؟ ومن يحمي الأطفال ذوي الاحتياجات الصحية الخاصة الذين “على بال ما يوصل دورهم” لتلقي اللقاح، من المحتمل أن يقضوا بسبب مرضهم المزمن”.
وبعيداً عن أن المستشفى التي استقبلت الطفل أمير تدور في فلك من منَّ عليهم الوزير بأسقف مالية عالية، دون غيرهم، ماذا عمّن لا يستطيعون دفع تكاليف المستشفى الخاص وماذا عمّن يرفض الاحتكام لمشافٍ تابعة سياسياً وبشكل واضح لأحد الأحزاب وفي مربع أمني لا يجرؤ الجميع على دخوله؟ وهل فعلاً لا خوف على الأطفال المصابين بكورونا من الموت حتى ولو فقدوا القدرة على التنفس؟!
أشارت طبيبة الدماغ والأعصاب وإختصاصية داء الصرع الدكتورة كارين أبو خالد لـ”نداء الوطن” إلى أن الإصابة بالصرع وحده لا يزيد من خطر الإصابة بعدوى فيروس كورونا، أو شدتها إلا أن أي فيروس كان (كورونا أو غيره) يمكن أن يُحفز نوبات الصرع وكل بحسب حالته الخاصة”.
واستغربت لماذا لم تتم مراقبة الطفل في قسم الطوارئ على الأقل لمتابعته، وأضافت “زوجي أيضاً دكتور في مستشفى الروم ومنذ أيام ولد ثلاثة أطفال مصابين بفيروس كورونا، وبالرغم من أن المتعارف عليه أنه ما من أقسام للأطفال المصابين بكورونا في المستشفى، قاموا بإنشاء “كوفوز” خاص بهم، ومتابعتهم بشكل خاص، فلم يكن من الممكن رفضهم فقط كونهم “أطفال” وعلى المستشفيات أن تتأقلم مع المطلوب فالقاعدة الأهم هي خدمة المريض أولاً وأخيراً!”