كلما استمعت الى مسؤول في هذه الدولة العليَّة وهو يُقَرِّع اللبنانيين لمساهمتهم في انتشار فيروس “كورونا”، تخطر ببالي عبارة: “وين هيّ الدولة”؟ فالمطلوب ليس “بروفات” متواصلة مقرونة بالمسؤولية على اللبنانيين، لأن أولياء أمورهم لا حول لهم ولا قوة ولا كلمة.
ومع هذا نسمع أن “الحكومة اللبنانية كانت سباقة باعتمادها إجراءات الحماية الملائمة، بهدف الحد من تفشي هذا الوباء الخبيث. وبسبب عدم الالتزام والاستلشاق تزايدت أعداد المصابين بشكل مخيف”.
بالتالي، الحق على المواطن المستلشق، وليس على القرار السياسي الذي فشل في تنظيم خلية الأزمة، وترك كل مواطن “على طول رسنه”، كما كانت تقول جدتي عن “الفالتين على غاربهم”. ثم تعطى الأوامر بمداهمته وتغريمه مئة ألف ليرة في زمن الشح والإفلاس.
هذه الدولة التي تتباهى بأنها “عمدت الى إجراءات متصاعدة بما يتناسب مع الوضع الذي استجد منذ اليوم الأول”، لم تكن تدري أن الوباء يتصاعد، كما تبين الأرقام على رغم عدم شفافيتها، بسرعة أكثر من هذه الإجراءات التصاعدية العرجاء والمستعينة بعكاز الحسابات الملغومة.
لا تنفع الحجة بأن الوباء فعل فعله عالمياً، للتنصل من التقصير، والإصرار على اختراع الإنجازات، التي تبقى في خانة أضعف الإيمان، والتعامي عن الاستنسابية القائمة على الاستثناء.
والا ماذا عن “حزب الله” الذي اعلن أمينه العام، في آخر إطلالاته، أن الآخرين فقدوا الحق بانتقاد المعابر غير الشرعية، التي يستقدم منها “الحزب” من يريد من إيران وسوريا، ثم يتغنى بأنه يفرض عليهم الحجر. هل تملك الدولة معلومات عن هؤلاء ام أنهم خارج حساباتها؟ ولعلها تعتبرهم مواطني دولة أخرى، لها مستشفياتها كما جيشها كما مؤسساتها الأخرى على الأراضي اللبنانية.
فالظاهر أن دولتنا العليّة التي تهدد عامة الشعب بالقمع، إن خالفوا قرارها التزام المنازل، لا تملك الا التجاهل على طريقة النعامة حيال من لا تقوى عليهم، على أساس ان العين لا تقاوم المخرز.
ببساطة، كان المطلوب إجراءات جذرية وفق مبدأ “أعقل وتوكل”، ووضع جميع القادمين من دول موبوءة في الحجر، ومنع طائرات تلك الدول من انتهاك أمننا الصحي، ومنذ اللحظة الأولى، وليس بعد أن سبق السيف العذل.
هل يكفيها لتقوم بواجبها أن تهدد وتتوعد؟ ولا تجرؤ على إعلان حالة الطوارئ لأنها لا تملك قرارها، وتنفض يدها من الحدود الدنيا لدعم الشعب الفقير الذي يعمل ليأكل. ما يعني أن التزامه منزله يؤدي الى جوعه وجوع عياله. أما خروجه فيكلفه ضبطاً بمئة ألف ليرة.
الواضح أن من يدعو الشعب الى الاكتفاء بالخبز والزيتون، لا يعلم ربما، أن “نملية” الفقراء لم تعد تحوي لا خبزاً ولا زيتوناً ولا دبساً ولا كشكاً.
ومن يطالب الناس بالبقاء في منازلهم، لا يعرف أن واجبه يقضي بأن يؤمن لهم لقمة عيش. ولا يتركهم لرحمة الله، فقط لعجزه عن أي قدرة مالية أو تنظيمية لإدارة الأزمة.
وغسل اليدين لمدة عشرين ثانية، لا يكفي عندما تغسل الدولة يديها الى أبد الآبدين من واجباتها العملية لنجدة الناس، لتكتفي بالمؤتمرات الصحافية والتوصيات عبر مواقعها الالكترونية المستجدة، وتتكل على حملات التبرع من هنا وهناك.