Site icon IMLebanon

“كورونا” أنتج سلالته الثانية ولبنان الأوّل عالمياً في تحمُّل كوارث 2020

 

لبنان كان في صدارة الحدث خلال شهور العام الراحل، وبالرغم من إنصراف بلدان العالم الى معالجة شؤونها وتداعيات “كورونا” بما في ذلك سلالتها الثانية، فإن معالجة هذا البلد لمشاكله كانت في تعميق هذه المشاكل. والسلالة الثانية من “كورونا” لم تسهم في تغيير السلالة السياسية القائمة، التي تواصل إمعانها في تفتيت المناعة السياسية والإجتماعية والصحّية للبنان، مُصِمَّةً آذانها إزاء أصوات الإنتقاد والإتهام العالمية والداخلية، وإزاء الحاجة المُلِحَّة الى إجراء تغييرات عاجلة تستعيد الدولة والمؤسّسات وتضع حدّاً للنهب والفساد والإفلات من المحاسبة والعقاب.

 

لم يحصَل ذلك صدفةً. كان لبنان قادراً على مواجهة الوباء العالمي مثل أي دولةٍ طبيعية في العالم، لو لم يصبْهُ “المرضُ الملعون” وهو مُستَتْبَع، فاقدٌ تماماً للمناعة الوطنية والإقتصادية والمالية. وقد اندلعت إنتفاضة 17 تشرين الأول 2019 في وجه المسؤولين عن فقدان المناعة تلك، وسجَّل المشاركون فيها رفضاً لبنانياً واسعاً للسلالة الحاكمة قبل أن ينتشر “كورونا” بسلالاته المتناسلة، وقدّموا فصلاً شعبياً من الإحتفالات المزمع إقامتها في مئوية قيام بلدهم.

 

كانت الإنتفاضة ردّاً شعبياً عاجلاً على السياسات المتّبعة، لكنّ الإنهيار الذي أفقر عموم اللبنانيين كان أسرع ممّا يمكن تصوّره. وفي مواجهة المحاسبة الشعبية، لجأت قوى السلطة الى القمع بواسطة ميليشياتها المذهبية والأجهزة الأمنية المتوفرة، وغرقت في البحث عن مخارج تسمح لها بالبقاء في السلطة، رافضةً البحث بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وهي الطريقة المُعتمدة في العالم الحديث لسؤال الناس عن المخارج التي يقترحونها للخروج من أزماتهم.

 

لقد لجأ اليونانيون الى الإنتخابات عندما احتدمت أزماتهم المالية والإقتصادية قبل خمس سنوات، وأطاحوا في صناديق الإقتراع بـ”العائلات الثلاث” الحاكمة، وجاؤوا باليسار الى السلطة لمعالجة شؤونهم، وبعد أربع سنوات أُجريت انتخابات في موعدها، فعاد اليمين الى الحكم ليتحمّل مسؤولية مواصلة إخراج بلاده من الأزمة. وفي لبنان يحصل العكس تماماً. ترفض السلطة، بقيادة “حزب الله” التغيير ومجرّد التفكير بانتخابات مبكرة، وهي إذ تُماطل في تشكيل حكومة طوارئ، يذهب تفكيرها بعيداً، نحو إلغاء الإنتخابات على أنواعها، إختيارية وبلدية ونيابية لتثبيت ما هو قائم خدمةً لمصالحها.

 

والواقع أنّ مسار السياسة في لبنان في 2020 كان تتويجاً لسيرةٍ أفتتحت بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري، فحواها إلغاء الدستور والحياة السياسية بمحطّاتها التقليدية، وهدفها وضع اليد نهائياً على لبنان لمصلحة ما يسمّى بـ”مِحور الممانعة ” برئاسة إيران وعضوية سوريا الأسد. وفي سبيل ذلك، قام تفاهم مار مخايل وشُنَّت حرب تموز (2006)، وجرى تنظيم احتلال وسط بيروت المديد (2007) ثم غزوتها المجيدة (2008)، وفرض اتفاق الدوحة انتخاب رئيس من دون تعديلٍ للدستور، وفي 2009 أُفرغت نتائج الإنتخابات النيابية من نتائجها، وأقال الثلث المعطل حكومة سعد الحريري وهو يستعدّ لدخول البيت الأبيض للقاء الرئيس باراك أوباما. ثم كان لكلّ السنوات التالية طعنتها في قلب الدستور: حكومات يستغرق تشكيلها وقتاً أطول من استمرارها في الحكم، وانتخابات رئاسية ممنوعة لمدّة عامين ونصف العام حتّى يتمّ “إقناع” الجميع بالمرشّح الوحيد… وها إنّ البلد يحصد ما تمّ زرعه، مُستكشفاً الطريق الى جهنّم.

 

انّها سنوات متشابهة في المهام المرسومة لها، تصبّ في مسار واحد توّجته مآسي2020 بكوارثها التي نزلت على رؤوس اللبنانيين دفعة واحدة من دون أيّ أفق.

 

لقد بات لبنان الرسمي في نهاية 2020 شعباً تُعقدُ من أجله مؤتمرات الدعم الإنسانية، ودولةً مرذولة منزوعة السيادة فاقدةً للإحترام. وما يُقال عن تحويله مجرّد ساحة ومنصّة لمِحورِ الممانعة الإيراني ليس بعيداً عن الواقع بل هو في صُلبه. فالسياسيون أنفسهم يربطون الحلول بطبيعة العلاقات الأميركية ـ الإيرانية المقبلة، وإيران نفسها تنتظر وتطلب الى جماعاتها تجميد كلّ تحرّكاتهم، وتدين هجمات منظّماتها على السفارة الأميركية في بغداد، لتظهر بمظهر البريء الظريف… ويذهب السياسيون هؤلاء الى الدعوة لإنتظار الإنتخابات الايرانية الرئاسية في الربيع المقبل، ومنهم من يرى في الإنتخابات السورية بين نيسان وأيار محطة حاسمة، وهذا صحيح. فاستمرار الأسد في السلطة سيعني إتفاقاً اميركياً ـ روسياً على التسوية في سوريا، مع ما يعنيه ذلك من تحديد للدور الايراني وبقية الميليشيات التابعة في سوريا، وتغييرٍ في المشهد الإقليمي العام.

 

ينتهي العام وقد صحّت تصريحات ماكرون عن سياسيي لبنان ولو أخذهم بالجملة، وصحّت أيضاً توصيفات البطريرك الراعي عن حكّام لشعب عدوّ، فهؤلاء الذين يُفترض بهم تقديم الحلول يرجئون العلاج الى المستقبل غير الواضح: انّهم محكومون بقرار دولة احتلال، تمارس إحتلالها بواسطتهم، وهذا ما توصّل اليه الراعي في نهاية تجربة نصحٍ مريرة، سبقه اليها ماكرون، وختمها في نهاية السنة يان كوبيتش، ممثّل الأمين العام للأمم المتّحدة.