IMLebanon

لهذه الأسباب تتكدّس جثث اللبنانيين في التوابيت

 

مسؤولية وزير الصحة في ما جنيناه كبير

أنا مواطن ومواطنة في دولة الأرق والقلق والبؤس والجوع والأسى والقهر… أنا مواطن ومواطنة في دولة تُحذر من فلتان بدل أن تعمل لعدالة، وتُحذر من جهنم بدل أن تعمل لِجنة، وتُحذر من شلل وخروج عن السيطرة ومن تطورات خطيرة آتية، ومن نفاد الدواء والأوكسجين وفقدان الأسرّة الإستشفائية وندرة الطاقم الطبي، بدل أن تعمل لإرساء بعض الأمان لشعبٍ فقد كل الأمان. فهل يكفي “السلطة” أن تقول أنا الدولة لتكون دولة؟ ألا يفترض بالمسؤول حين يعجز أن يقول: عجزت وأستقيل؟

 

يوم نجح الشعب اللبناني في استيعاب موجة “كورونا” الأولى بالإلتزام بشعار “خليك بالبيت”، نال حمد حسن جائزة شخصية العام الأكثر تأثيراً في 2020 تحت شعار “إنسانية واحدة ومسؤولية مشتركة”، ويوم “فلت الملق” رميت كل المسؤولية على الشعب اللبناني، الذي استحق “أسوأ التصنيفات في العالم”، وخرج وزير الصحة من الموضوع كما الشعرة من العجينة، وكأن لا ذنب له في كل ما حدث وبلغناه. لكن، ماذا عن مسؤولية “معاليه”؟ ماذا عن كل الإخفاقات التي أوصلتنا الى الحضيض؟ ماذا عن مسؤولية الدولة وكل من يحملون صفة “المسؤولية” في ما آلت إليه كل التجارب السلبية التي رمت بالشعب اللبناني في فوهة النار؟

 

وزراء الصحة العامة السابقون يراقبون المسار والمصير بكثير من الدقة ويخرج بعضهم ليقول: لا مسؤولية في كل ما جنيناه صحياً إلا على وزير الصحة بالذات. فهل في ذلك تجنّ؟ هل نتجنى على وزير الصحة في تحميله كل المسؤولية؟ يتحدث وزير صحة سابق عن أدوات كثيرة بين أيدي وزير الصحة الحالي لم يستخدمها في أدائه. فهو يملك قدرات تنظيمية في تحديد أسعار الدواء والسرعة في إدخال الأدوية الى لبنان بمعايير عالية، وبالتالي إدارة ملف الدواء بشكلٍ مختلف كلياً عما رأيناه ولمسناه ونعيشه. ويستطرد الوزير السابق بالقول: في الحالات الطارئة وفي الجائحات والحالات الإستثنائية يحق له، دون كل الآخرين، تحديد الأدوية بسرعة التي يفترض بنا استيرادها وأن يتدخل في ذلك لدى مصرف لبنان.

لكن المفارقة أن “معاليه” لم يفعل هذا ولم يصدر أي لائحة في الموضوع. ناهيكم عن أن وزير الصحة الحالي لم يتصرف في شكل حسن في مجال المستشفيات، علما أن البنك الدولي قدم تمويلاً عام 2018 لتطوير القطاع الصحي بقيمة 150 مليون دولار. فلماذا لم تستخدم في الأشهر الماضية لإدارة أزمة “كورونا” التي بلغناها؟ وجلّ ما فعل أنه استعار من هذه المنحة مبلغ 40 مليون دولار لإدارة الأزمة استخدم منها 11 مليوناً لاستيراد مستلزمات لـ”كورونا” وشراء كمامات وقفازات لم ترَ المستشفيات منها شيئاً. وهذه المستلزمات كان يمكن أن تكفي لبنان وسوريا والعراق. وهو استخدم مبلغ مليون ونصف المليون دولار أميركي لشراء أجهزة تنفس منذ أشهر كثيرة لكن لم نرها. لماذا تأخر بها؟ سؤالٌ يطرح وبإلحاح. لماذا لم يتم توزيعها على المستشفيات في الوقت المناسب؟ ولماذا استعار من المبلغ 300 ألف دولار لاستشاريين لديه؟ فما لزوم كل هؤلاء الإستشاريين؟ ماذا فعلوا لتنظيم وإدارة موضوع “كورونا”؟ ولماذا لم يقبل معاليه بمساعدة الصليب الأحمر في إعداد الداتا وامتنع عن ذلك، مستعيضاً عنه بأربعين متطوعاً من الهيئة الصحية؟ ولماذا لم يجتمع المجلس الصحي الأعلى الذي يفترض أن يكون فاعلاً في أوقات الأوبئة سوى مرة واحدة في بداية أزمة “كورونا”؟ ولماذا لم يصر الى تجهيز المستشفيات الحكومية والخاصة خلال الأشهر الستة الماضية و”غطّ” معاليه في نوم سريري على مجدٍ بإنجازٍ باطل؟

 

هل نخطئ برمي المسؤولية على معاليه؟ وماذا عن المسؤول حين يفشل؟ ماذا عمن ماتوا ومن قد يموتون بعد وبعد لندرة توافر الأوكسجين والأسرة؟

 

صفير: الناس كفروا

 

الأستاذ في القانون الدولي المحامي أنطوان صفير يتحدث عن “أنه يتّضح يوماً بعد يوم أن السلطات في لبنان لم تأخذ الموضوع على محمل الجدّ والمواجهة “خدمة عامة” لذا نرى أن الناس قد كفروا. فالمستشفيات الميدانية لم تتجهز على الرغم من مرور عام على بداية الجائحة ولم يصر الى تجهيز الطواقم الطبية، ويستطرد: هناك مستشفيان مقفلان في كسروان وحدها فلماذا لم تسارع وزارة الصحة الى استخدامهما وكلنا نعلم أن القانون يجيز لها في حالات الطوارئ أن تأمر أي مستشفى مغلق بأن يفتح ويقدم خدماته الى العموم أو تعمل الدولة، من خلال وزارة الصحة، على تكليف طرف ما بذلك. هذه هي الحاجات الوطنية التي كان يفترض تلبيتها بأسرع وقت حتى أن هناك مناطق بأكملها خالية من أي خدمات طبية. وكل ما رأيناه يشي بوضوح الى افتقار لبنان الى سياسة صحية واضحة وتخطيط استراتيجي”.

 

إنطلاقاً من هذا الكلام هل يستحق لبنان صفة دولة؟ يجيب أنطوان صفير: “في ظل عدم محاسبة الناس المسؤول في الانتخابات، على تقصيره ستبقى الدولة تخال نفسها، مهما فعلت، دولة. ويعطي مثلاً: وزير المال في مقاطعة أونتاريو الكندية أجبر على الاستقالة بعد عودته الى كندا من إجازة مثيرة للجدل في منطقة البحر الكاريبي خلال إجراءات الإغلاق الصارمة. هكذا تكون الدول. يضيف: هنا، يتحدثون في كل البيانات الوزارية عن الإنماء المتوازن فأين هو؟ وما تفعله الدولة اليوم ووزارة الصحة كان يفترض أن ينجز منذ ستة أشهر”.

 

ما دام الأمر كذلك، فهل يجب على كل من فقد عزيزاً أو صديقاً أن يرفع دعوى قانونية على الدولة ووزارة الصحة اللبنانية؟ يجيب صفير: “ثمة إخلال بالمسؤولية يستوجب الحساب واقع على كل السلطات في لبنان مرده عدم التخطيط وعدم الرؤية. ويستطيع كل مواطن أن يسأل الدولة هنا: لماذا تأخرت في جلب اللقاح؟ لماذا أعطي بالملايين في الدول المجاورة وهنا لا؟”.

 

فليحاسب المواطن الذي يضع صور معارف وأحباء، قتلى “كورونا” بسبب تلكؤ الدولة وقصر نظرها، هذه “الدولة”. فليحاسبها قانونياً على تقصيرها. آن الأوان.

حتّي: تجهيل للمسؤول

 

وزير الخارجية السابق ناصيف حتّي كان أول من استقال من هذه الحكومة المتخاذلة قائلاً: “شاركت في هذه الحكومة من منطلق العمل عند رب عمل واحد اسمه لبنان فوجدت في بلدي أرباب عمل ومصالح متناقضة إذا لم يجتمعوا فالمركب سيغرق بالجميع”. المركب غرق. فهل يجب على كل الآخرين وأولهم وزير الصحة الإستقالة أم هذا لا يفعلها؟ يجيب حتي: “هذا يعود الى كل شخص أن يقرر بنفسه وبما يرتئيه. أنا اقتنعت أن لا مجال لإصلاح الوضع وانسجمتُ مع نفسي وقمت بما يجب. أنا جئتُ للمشاركة في مشروع إصلاحي ووصلتُ الى قناعة أن البلد، كما هو، “لن يُقلّع” فاستقلت. لكن ما أراه في لبنان حالياً وجود “تجهيل” للمسؤول والمسؤولية. صحيح أن “كورونا” جائحة كبيرة وتحتاج الى تحد كبير لكن كانت تتطلب نوعاً من التضامن الفعلي الذي لم يتوافر. وهناك كثير من القصور والتقصير. فسياسة “المراهم” لا تنفع بل نحن بحاجة الآن أكثر من أي وقت مضى الى إصلاحات فعلية في كل المجالات”.

 

Take care هي نصيحة أول وزير استقال من الحكومة الفاشلة.

 

عراجي: “تخبّط” كبير

 

نقلّبُ في صفحات “السوشيل ميديا” ونراقب وداع اللبنانيين لأهل وأقارب وأصدقاء من وراء الحواسيب والهواتف النقالة ومراسم الدفن أونلاين. حالة لا توصف وذعر كبير. والحاجة ماسة الى تدابير سريعة والمسؤول غير مسؤول. واللبنانيون في أتعس حالاتهم. ووحده رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي يبدو يُغرّد خارج سرب “المتهافتين” على كثرة الكلام لكن بلا قلب. عاصم عراجي طالما حذر من الآتي بعينين تلمعان خوفاً على اللبناني المقهور. فما رأيه في ما آل إليه أمرنا ومصائرنا والمقابر التي غصّت بالأناس الطيّبين؟

 

رئيس لجنة الصحة يتحدث عن انحيازه تجاه المواطنين دائماً بقوله: “اخترت المهنة التي أحب، تخرجت عام 1988 وعملتُ في البقاع فترات طويلة ووصفتُ “بالطبيب الشعبي”، وجلّ اهتمامي مساعدة أولاد منطقتي والمرضى في كل مكان. وأخاف على الناس وأشعر حيالهم بالمسؤولية دائماً”. هذا سرّه إذا، لكن ماذا عن مسؤولية من أوصلونا الى هنا؟ ومن كان يفترض أن يأخذ القرار الصائب؟ يجيب: “يفترض في حالة الجائحة أن يتضافر أكثر من طرف ضمن لجنة واحدة وتشكيل مجلس أعلى لإدارة الجائحة لا أن ينحصر القرار بلجان متعددة تجتمع ولا تقرر. التنسيق كان يفترض أن يكون واسعاً وأن تأتي القرارات واضحة لا أن يعمل كل طرف وحده ويشد البساط الى تحت قدميه دون كل الآخرين. ويشرح: هناك الآن لجان عدة: اللجنة العلمية التابعة لوزارة الصحة، واللجنة الوزارية التي يترأسها حسان دياب، ولجنة “كورونا” في السراي الحكومي التي يرأسها اللواء محمود الأسمر، واللجنة النيابية التي أترأسها انا وهي تشريعية رقابية، ما أدى الى “تخبط” كبير في اتخاذ القرارات. فرأيناهم يأخذون قراراً ثم يتراجعون، ثم يأخذون قراراً ثم استثناءات، ثم يقرّون قراراً آخر ولا ينفذونه. تخبيص. فكل طرف لديه أجندة مختلفة. وكم حذرنا من انهيار القطاع. فالأنانية هي التي سادت في اللجان التي حاولت أن تنسب لنفسها أي نجاح وترمي عنها أي فشل. في حين أنه في زمن الجائحة أو الزلزال يجب وجود مجلس أعلى يقرر ويُلزم”.

 

وماذا عن دور وزير الصحة هنا؟ يجيب عراجي: “في حالات التعبئة يفترض بالحكومة أن تأخذ القرار وتفرض الحبس على كل مخلّ. ويستطرد: الشفافية في مثل هذا الوقت ضرورية. علينا مصارحة الناس غير أنني تعرضت بسبب ذلك الى انتقادات جمة من أصحاب السوبرماركات وأصحاب المطاعم وحتى من أصحاب محال النراجيل، الذين قالوا إنهم سيأخذون كل الإحتياطات اللازمة تحت إشراف الدولة. فكيف سيفعلون هذا في حين أن الدولة عاجزة عن رقابة التهريب على الحدود. لكني أصريت على محاكاة وجع الناس وقلتُ لهم إعتبروا أن الدولة غير موجودة وانتبهوا الى صحتكم. إلتزموا بأمانكم. لكن الناس لم يلتزموا”.

 

لأن الناس لا يلتزمون يفترض أن تكون هناك دولة. ولأن لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا فشلت كان يفترض إيجاد مجلس أعلى يُقرر وينفذ ويُلزم. كل الدولة إذاً مسؤولة عما آلت إليه أمورنا. والمشكلة الآتية هي: اللقاحات. إنها أملنا الوحيد. فكيف نرضى أن نوكل بملف اللقاحات الى لجان “خربت” بيوتنا وعمرنا وساهمت في انتصار الفيروس على أهلنا وناسنا؟

 

إنهم “يكتبون” الآن خطة اللقاحات في حين أن كل الجوار منهمك في إعطائها. فهل سيُصيبنا في هذا الموضوع ما أصابنا من ضرر؟ مطلوب الآن وبإلحاح الشفافية وفتح باب الإستيراد أمام القطاع الخاص والعمل على تنظيم توزيع اللقاحات بجدية أكبر وبشكل عادل لكل الناس. وزير الصحة له هنا أيضاً السلطة الكاملة بأخذ القرارات. فهل سيتخذها بطريقة صحيحة؟ نحن في دهليز مظلم والتجارب أصبحت مؤلمة ولكن، حتى هذه اللحظة، ليس أمامنا سوى الإنتظار. فلنفعل لكن بعينين مفتوحتين جداً لأن الإستهتار بات مكلفاً جداً.