مع اطلالة لقاح “بفايزر” الأميركي لمكافحة فيروس كورونا الذي ارتكبته مختبرات “يوهان” ويستشري في العالم ولبنان، تتبادر الى الذهن تلك الدعوات المضحكة الى اعتماد الخيار الصيني والروسي لإنقاذ الاقتصاد اللبناني المنهار. ويمكن بالمقارنة المشروعة طرح سؤال بسيط على الداعين للتوجه شرقاً بدلاً من الاتفاق مع “صندوق النقد” لمعالجة الكارثة المالية، وعلى المزايدين في العداء للغرب وأميركا مطالبين بزراعة العدَس على الشرفات: هل تريدون أخذ اللقاح الأميركي حين يتوافر في الأسواق ام ستتمنعون في انتظار لقاح “شرقي” يراعي مشاعركم القومية والممانِعة وعزة النفس الوهمية، على غرار انتظاركم الشركات الصينية لضخ مليارات الدولارات في أسواق لبنان؟
ليس في الأمر شماتة ولا استغلال لحاجة انسانية شاملة لتأكيد آراء سياسية والتغني بالغرب، لكنه تأكيد لواقع بسيط: تسبب الشرق بالفيروس، والغرب الذي يهجونه صبحاً ومساء يصنع اللقاح المضاد لإنقاذ أهلنا في دول لا عناية فيها ولا تجهيز، وتعجز عن صنع جهاز تنفس اصطناعي بعد فشلها في تركيب حبة اسبيرين.
ليس “الغرب” الحالي المنتج للقاح هو “الرجل الأبيض” الذي يحلو للممانعين تحميله وزر حقبات الاستعمار والتفوق الغربي، بل هو البيئة التي تسمح لكل أجناس الأرض بالإبداع والاختراع في مناخ حرّ يحترم الانسان ويستثمر بسخاء في البحث العلمي. وللعلم، فإن أبرز الباحثين في ملف الكورونا واللقاح في الولايات المتحدة وألمانيا بالتحديد زوجان تركيان وعلماء من أصول آسيوية أو أبناء وأحفاد مهاجرين، ربما ما كانت لهم فرصة عيش كريم لو بقوا في دولهم الأصلية التي تُسمّي فيها المخابرات رئيس مختبرات الأبحاث، أو تفرض الميليشيات من يصلح للتفرغ الجامعي… اذا وصلنا للحديث عن الجامعة اللبنانية.
واقع الأمر ان خيارات اللبنانيين ازاء أي لقاح يختارون لن تكون مرآة لانقسامهم الفكري والاجتماعي والطائفي والسياسي، مع ان المواطن المقتنع بوجود “الفسطاطين” يجب ان ينسجم مع نفسه، فيأخذ الوصفة كاملة رافضاً ان يكون انتقائياً وانتهازياً ومثالاً في نكران الجميل. فالوصفة الغربية التي تأتي باللقاح تتضمن أساساً حرية البحث والتفكير والتعبير، فيما الوصفة المقابلة قد تنجح في انتاج لقاح لكنها تترافق حتماً مع كل قمع واستبداد وفقر وتعتير. اما المزاوجة بين النمو الاقتصادي والاستبداد السياسي فممكنة لكنها أنتجت فيروس كورونا في الصين حيث أخفيت الحقائق، فدفع العالم ملايين الضحايا وتدهوراً معيشياً غير مسبوق، وهو كذلك في روسيا حيث لا تنفصل “المعجزة البوتينية” الاقتصادية عن قصف المدنيين السوريين بالبراميل وتسميم المعارضين الروس، والكذب بشأن اختراعات ولقاحات لم نرَ حتى الآن منها الا ظهور قيصر الكرملين الاعلامي.
يجب الاعتراف بواقع التفوق الغربي في العلم والممارسة الديموقراطية واحترام حقوق الانسان إذا اعتبرنا أنفسنا جزءاً من هذا العالم ونرغب معه في التقدم والتطوير، أما الذين يحوّلون الدونيَّة الى موقف نضالي مصرّين على اعتبار التخلف “خصوصية”، فلينتظروا اللقاح والانقاذ المالي من الصين.