انصبت اهتمامات رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة خلال اليومين الماضيين، على معالجة الازمة المستجدة، المتمثلة بالحراك الشعبي المطلبي الواسع، والذي ادى الى اصطفافات سياسية جديدة كادت تطيح بكل التفاهمات والتسويات السياسية وبالحكومة ذاتها، بحيث استقال وزراء القوات اللبنانية الاربعة وكاد الحزب التقدمي الاشتراكي ان يقيل وزراءه، لولا ان استدرك الرئيسان نبيه بري وسعد الحريري الامر مع وليد جنبلاط، واتفق معه الحريري على ورقة اصلاحية شاملة مقبولة ويفترض ان تلبي مطالب الجمهور الكبير الذي ملأ الساحات من بيروت الى عكار شمالاً وصور والنبطية جنوباً مروراً بالجبل والبقاع.
ويُعوّل الرئيس الحريري ان تُرضي ورقته الناس الغاضبين قبل ان تُرضي السياسيين، بحيث تسرّب ان ورقته الاصلاحية شاملة كل الافكار المطروحة في الاوراق التي تقدمت بها القوى السياسية، ومنها ما لم يطالب به السياسيون، لا سيما لجهة اعادة النظر بكل الرواتب العالية والتقديمات لكبار موظفي الدولة، لكن مصادر مطلعة على عمل الحريري توضح ان ورقة الاصلاحات إما تُقبل كما هي وإما يُصار الى بعض التعديلات والاضافات بالتوافق، وإما لكل حادث حديث.
واشارت المصادر الى ان الحريري عقد لقاءات عمل مكثفة مع مجموعة من الخبراء الماليين والاقتصاديين للاستماع الى ارائهم في كيفية الخروج من الازمة والاستفادة منها في المقترحات التي يعرضها على القوى السياسية.
ومعلوم ان الحريري التقى معظم مكونات الحكومة لعرض الورقة الاصلاحية عليهم، والمعلن منهم وزراء وممثلي حركة «امل» والحزب التقدمي الاشتراكي و»تيار المردة» والطاشناق، وعُلم انه التقى بعيدا عن الاعلام وفدا من قيادة «التيار الوطني الحر»، وممثل «حزب الله» الوزير محمد فنيش مع عدد من المستشارين، ولكن «القوات اللبنانية» لم تشارك في الاجتماعات التي عقدها لأنها كانت قد قررت الاستقالة من الحكومة والذهاب الى المعارضة البرلمانية والسياسية ما لم تتم الاستجابة لمطلبها باستقالة الحكومة مجتمعة وتشكيل حكومة اختصاصيين او تكنوقراط.
وذكرت مصادر وزارية التقت الحريري، انه يطرح افكاراً مستمدة من كل الطروحات الاصلاحية، واذا وافقت عليها القوى السياسية يدعو يوم الاثنين الى عقد جلسة لمجلس الوزراء.فيما تركزت مطالب الوزراء على عدم زيادة اي ضريبة على المواطنين ووقف الهدر ومكافحة الفساد، ومعالجة ملف الكهرباء سريعا واستيفاء الاملاك البحرية والعمل على إصلاحات اجتماعية للطبقات الفقيرة.
ومن جانبه، اكد نائب رئيس الحكومة المستقيل غسان حاصباني لـ«اللواء»، ان استقالة وزراء «القوات اللبنانية» الاربعة من الحكومة نهائية وليست مناورة سياسية، وقدارسلنا الاستقالات خطياً الى الامانة العامة لرئاسة الحكومة، ولانعلم كيف اومتى ستصل. ومن الافضل بدل تضييع الوقت، استقالة الحكومة وتشكيل حكومة اختصاصيين خلال ايام قليلة، حتى لوكان الزعماء السياسيون هم من سيختارونهم، لكن المهم اختيار صاحب الاختصاص في المكان المناسب، وحسب تجربتنا فإن الوزير الناشط لا بد وان يترك بصمة اوتأثير في عمل الحكومة بغض النظر عن توجهات قيادته السياسية او السياسي الذي اختاره.
وعن احتمال حصول فراغ في حال استقالة الحكومة؟ اجاب: لماذا يحصل فراغ؟ هل يخافون الفراغ ولا يخافون جوع الناس؟ بإمكانهم تشكيل حكومة خلال اربع وعشرين ساعة من الاختصاصيين والاكفاء.
وحول موقف جنبلاط قال حاصباني: لا مانع ان نبقى وحدنا خارج الحكومة.
وبالنسبة لموقف الحزب التقدمي الاشتراكي من موضوع الاستقالة من الحكومة؟ قال مصدر قيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«اللواء»: حتى الان لا قرار بالاستقالة من الحكومة، خاصة بعد الموقف الذي اعلنه رئيس الحزب من مخاطر السقوط في الفراغ، ونحن الان بصدد مناقشة الافكار والمقترحات الاصلاحية السريعة والفورية.ونامل ان نتوصل الى حلول بالاتفاق بين كل الاطراف.
تبقى مجموعة من الاسئلة تطرح نفسها، تتلخص في انه على رغم من مسعى الحريري والقوى السياسية في الحكومة لمعالجة الازمة الاقتصادية- المالية- المعيشية التي انهكت المواطنين، هل ستكون الاجراءات الاصلاحية جذرية ام سطحية، وهل ستنفذ سريعاً في حال كانت جذرية وتؤدي الى النتائج المتوخاة في خفض العجز وزيادة الواردات، وهل سيستجيب الحراك الشعبي الكبير والواسع لإجراءات الحكومة ويُخلي الساحات، ام يبقى محركوا التظاهرات على موقفهم بتغيير الحكومة، معما يعني ذلكمن تغييرتوجهاتها السياسية والاقتصادية والمالية؟
هذا في الجانب المطلبي – الشعبي، لكن ثمة من يطرح سؤالا جوهرياً في السياسة: كيف تحركت التظاهرات وتوسعت فجأة، وانضمت اليها قوى سياسية على خصومة كبيرة مع العهد وتياره ومع رئيس الحكومة بسبب علاقته مع العهد، والأهم بسبب موقف العهد من المقاومة ضد اسرائيل وسلاحها وموقفها ودورها في الاقليم؟ وهل هناك من نقل ما يُسمى «الربيع العربي» الى لبنان بهدف تغيير النظام الحاكم- لا النظام السياسي القائم- بسبب موقفه من المقاومة؟ ومن هنا يُطرح السؤال: في حال استمرت التظاهرات والاعتصامات وشل البلاد والحكومة، هل ثمة من يريد من وراء ذلك إسقاط عهد ميشال عون وسعد الحريري وعبرخلق حالة من الفوضى في لبنان؟
وما معنى ان تستقيل «القوات اللبنانية» من الحكومة في هذا التوقيت، وهي التي تعتبر رأس الحربة السياسية في لبنان ضد سلاح المقاومة؟