IMLebanon

أي “محاصصة” في الخسائر؟

 

ما تسرّب عن مسودة برنامج الإنقاذ الإصلاحي للوضعين المالي والاقتصادي الذي تناقشه الحكومة، يعتبره الخبراء خطة شاملة تتناول سبل معالجة الدين العام، والتعاطي مع إفلاس المصارف ومصرف لبنان والخزينة، وفيه كمية من التفاصيل الدقيقة التي ستطلق جدلاً واسعاً في الأسابيع المقبلة بعد أن تقرّه الحكومة.

 

الحكومة واللبنانيون بمختلف فئاتهم الاجتماعية والسياسية باتوا أمام الحقيقة المُرّة مجدداً، بفعل ما يتضمنه البرنامج من خطوات جوهرها توزيع خسائر التفليسة التي بلغها البلد، نتيجة سلوك الطبقة السياسية فيه، على سائر الطبقات.

 

ومع أن ما نشر عن اقتطاع نسبة من الودائع التي تفوق الـ200 ألف دولار (هناك أيضا اقتراح ما يفوق الـ200 ألف) في المصارف، قابله رئيس الحكومة حسان دياب بالقول إن 90 في المئة من أموال المودعين لن تمس، فإن هذا لا يلغي أن البحث جار في اشتراك محدودي الدخل في تحمل الخسائر، مع الأغنياء ومع بعض رموز الطبقة السياسية الذين تسببوا بإعلاء المحاصصة في المنافع على أي مبدأ من مبادئ الخدمة العامة. فمصالح هؤلاء تقضي بالمحاصصة في الخسائر مع من هم الأكثر حاجة ومحدودي الدخل ومن يصنفون الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى.

 

من إيجابيات مسودة برنامج الحكومة أنه يستعرض الأرقام بشفافية، ويحدد ضخامة الخسائر في مالية الدولة والقطاع المصرفي، تلك الأرقام التي سعى الكثيرون إلى الحصول عليها في الأشهر الماضية، من أجل معرفة عمق الهوة التي وقع فيها لبنان، وكذلك أموال اللبنانيين ومدخراتهم.

 

السؤال الذي سيتركز الجدل عليه في قابل الأيام، أمام الحقيقة المرة، هو هل يمكن خفض سقف الخسائر على اللبنانيين أم أن لا مناص من أن يتم الاقتطاع من ودائعهم، التي وإن تقلصت ستبقى مجمدة لسنوات؟

 

بعض القيادات السياسية سيقف ضد الاقتصاص من ودائع صغار المودعين، وسينشأ بناء عليه نوع من التحالفات السياسية التي قد تعدل في التموضع السياسي للفرقاء، فيجري خلط للأوراق السياسية يواكب تطورات الموقف، من المعالجات الاقتصادية ومن المس ببعض الطبقات الاجتماعية. الخريطة المالية التي سيرسو عليها لبنان بعد الإصلاحات سترتب من دون شك خريطة سياسية جديدة. إذ يرى بعض مخضرمي النموذج السياسي والاقتصادي اللبناني أن ما ستفرضه الحلول للأزمة، هو لبنان آخر ينهي الحرية الاقتصادية ولبنان الذي يُحتفل بمئويته هذه السنة.

 

في وقت تكرر مسودة البرنامج الإنقاذي في مقدمتها وخاتمتها بأن لا حل إلا بدعم المجتمع الدولي والمجتمع العربي، فهي تجيب بذلك على السؤال الأساس: هل من سبيل للاستعانة بالخارج من أجل معالجات طويلة الأمد على اللبنانيين أن يتأقلموا معها في زمن الضيق، غير صندوق النقد الدولي؟

 

مع التسليم بالحاجة إلى اللجوء لصندوق النقد، سيكون الذين عارضوا هذا الخيار أمام أمر واقع، يقنعون أنفسهم فيه بأن الصندوق أقل شراً من مآسي كورونا الذي يغرق فيه العالم. الخطة تسلم بأمور سبق أن لقيت ممانعة. هي تتبنى الإصلاحات التي سبق أن التزمت بها حكومة الرئيس سعد الحريري في “سيدر” (العام 2018 )، واستنسخت الورقة التي أقرتها قبل استقالته، وأضيف إليها الواقع المالي المزري الذي ظهر بعد 17 تشرين الأول، الذي كان يمكن تفاديه لو نُفذت تلك الإصلاحات.