Site icon IMLebanon

الفاسدة والمفسد

 

لسنا نحن، بالتأكيد، من يسمح لنفسه بأن ينظّر على الديموقراطية الأميركية الراسخة والتي من شأنها أن تفرز قياداتها على مستوى حكّام الولايات المتحدة واعضاء مجلسي النواب والشيوخ ورئيس الجمهورية. وأذكر خلال دراسة الحقوق كان العلامة الكبير أستاذنا المرحوم الدكتور إدمون ربّاط يدرسنا القانون الدستوري وعندما كنّا نجد صعوبة في تقبّل آلية إنتخاب الرئيس المعقّدة، كان يعترف (بتواضع العلماء) إنه هو أيضاً يجد فيها صعوبة، ولكنه كان يسمّيها بـ»الفلترة« أي بمثابة المصفاة التي تُـجرى على دفعات: من التصفية داخل الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديموقراطي) الى التصفية داخل الولايات، إلى الإقتراع للمندوبين الذين بدورهم يحدّدون من يكون الرئيس.

وهذه العملية المعقّدة ليست مدار هذه العجالة، إنما ما تابعناه على إمتداد الأشهر الأخيرة من »نشاط« للمرشحين الرئاسيين الأبرزين دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، لقد فُجعنا فعلاً بأن الديموقراطية (التي هي أفضل الوسائل التعبيرية عن إرادة الناس، باعتبارها الأقل سوءاً)، يمكنها أن تسمح بوصول هذين النموذجين الفاقعين بالعيوب الى التربع على عرش هذه الديموقراطية العريقة وهذا الشعب الأميركي العظيم.

طبعاً نحن نود أن نحيي هذه الديموقراطية التي تأذن للمواطن أن يصل الى أعلى المواقع في الدولة ذات القوة الهائلة والتي في مقدورها أن تقود العالم الى الأفضل لو شاءت والى الخراب والدمار لو شاءت. فالممثل يمكنه أن يصبح رئيساً للجمهورية، وهو الذي لا يعرف في السياسة شيئاً. وشبه المعتوه الذي يتعثر في قيامه وقعوده فيصطدم بالمنصة أو بالكرسي أو بالآخرين ولم يكن يعرف من عواصم الدنيا سوى أربع: واشنطن ولندن وباريس وروما (وإن كان يخلط بينها وبين حاضرة الڤاتيكان) يمكنه هو أيضاً أن يصل الى الرئاسة… علماً أن الممثل كان من أكثر الرؤساء نجاحاً، أما شبه المعتوه فكان الأفشل والأكثر حماقة في التاريخ الأميركي. وهذه الديموقراطية تُرفع لها القبعة عندما تمكّن الأسود من أن يقطن في البيت الأبيض. وتمكّن المرأة من الترشح لحكم العالم. كما يستطيع أبناء أصحاب المهن المتواضعة أن يصبحوا رؤساء، علماً أن المهن كلها محترمة وربما المتواضعة منها أكثر إحتراماً…

ولكن هذه الديموقراطية العظيمة أوصلت أميركا (ومن ورائها العالم كله) الى مواجهة بين امرأة متهمة بالفساد ورجل متهم بالإفساد… ولا ثالث بينهما.

والسؤال الذي يطرح ذاته: هل عجز المئتان والخمسون مليون أميركي وأميركية ممن يحق لهم الترشح والإقتراع عن أن يفرزوا من صفوفهم غير هذين النموذجين اللذين بنيا معركتيهما الرئاسيتين على السلبيات، وكشف فضائح (أجل فضائح) كل منهما من قِبَل المرشح الآخر؟!.

إنها الديموقراطية!

ولا شك في ذلك. ولكن ألم يكن ثمة إمكان لبروز غير هذين الوجهين؟ المرأة متهمة بالتعامل مع الشيطان (بالمعنى الحرفي وليس المجازي) والرجل متهم بأنه ينقاد الى شبقه الجنسي »بس يشوف تنّورة«. كما يقول مثلنا العامي. وربّما لهذا السبب لم ترتدِ هيلاري التنورة مرة واحدة خلال معركتها الإنتخابية، إنما اكتفت بالبنطلون!

ألم نقل هذه هي الديموقراطية؟!.