Site icon IMLebanon

صفقة الصواريخ الفاسدة: هل يجرؤ القضاء؟

 

 

يومي 30 و31 كانون الاول 2019، نشرت «الأخبار» تقريرين عن صواريخ اشتراها الجيش من صربيا، وتبيّن أنها فاسدة. الصواريخ من طراز «غراد» (122 ملم، مداها الأقصى 20 كلم). بنحو 3 ملايين و300 ألف دولار، اشترى الجيش 2000 صاروخ من شركة صربية، ثبت أنها خالفت العقد الموقّع عام 2017 بينها وبين وزارة الدفاع اللبنانية. ففي ذلك العقد، ورد أن الصواريخ يجب أن تكون مصنّعة بعد العام 2017، وأن يتم تسليمها في روسيا. جرى ذلك من دون أي علم للجانب الروسي، أو تواصل معه من قبَل لبنان. والشركة، التي لم تقدّم ما يُثبت الترخيص لها بالعمل في روسيا، سلّمت الصواريخ في بيروت، آتية من صربيا. جرى استخدام اسم روسيا حينذاك، لإضفاء شيء من الصدقية على الصفقة.

 

عند التخزين، اكتشف ضباط وعسكريون أن هذه الصواريخ قديمة (قدّروا أنها من إنتاج العام 1982)، ومطلية بصورة تدفع إلى الاعتقاد بأنها جديدة. وبحسب أحد المعنيين، فإن صواريخ بالمواصفات التي وصلت إلى لبنان العام الفائت من صربيا، «يدفع مالكوها أجرة للجهة التي تتخلص منها». وبرأيه أن في هذه الصفقة «مَن قبَض مِن الجهتين: ثمة من دفع أموالاً للتخلص مِن صواريخ فاسدة، وثمة مَن دفع أموالاً لشرائها».

بعد انكشاف الفضيحة، فتحت قيادة الجيش تحقيقاً في ما جرى. ورداً على ما نشرته «الأخبار» في اليومين الأخيرين من العام الماضي، عن أنه كان في مقدور الجيش الحصول على صواريخ يبلغ مداها 40 كلم بدل 20 كلم، سرّب مكتب قائد الجيش العماد جوزف عون «معلومات» إلى قناة «أل بي سي آي»، يقول فيها إن الجيش لا يملك منصات لإطلاق صواريخ يبلغ مداها 40 كيلومتراً، وأن سعر الصاروخ الواحد (بمدى 40 كلم) يبلغ 8 آلاف دولار، فيما سعر صاروخ الـ20 كلم يبلغ 1700 دولار.

وحينذاك، وعدت قيادة الجيش بإحالة الوسيط التي رتّب الصفقة (يُزعم أنه ممثل الشركة الصربية في لبنان) على النيابة العامة بعد انتهاء التحقيق. لكن الوسيط نفسه عاد وشارك في الاجتماعات بين وفد من الشركة الصربية أتى إلى لبنان، وبين ضباط من الجيش، سعياً إلى حل المعضلة الناتجة عن الصواريخ الفاسدة. وبعد عدد من الاجتماعات، أرسلت الشركة الصربية كتاباً (يوم 6 نيسان 2020) إلى الجانب اللبناني، تبدي فيه استعدادها لإبدال الصواريخ الفاسدة (2000 صاروخ)، بـ771 صاروخاً بمدى 40 كلم، من دون أي تكلفة إضافية على قيمة الصفقة الأولى (3 ملايين و300 ألف دولار أميركي). وبناءً على ذلك، أرسلت قيادة الجيش كتاباً إلى وزارة الدفاع، تطلب فيه الموافقة على عرض الشركة الصربية.

حتى الآن، لم توافق الوزارة على الطلب، ولا تزال تدرسه. وبعيداً عن «اكتشاف» وجود منصات لإطلاق صواريخ غراد بمدى 40 كلم بعد إنكار ذلك، ثمة مسألة لا بد من التوقف عندها. فبعد مضيّ سنة و4 أشهر على اكتشاف وصول صواريخ فاسدة إلى الجيش، لم يفتح القضاء أيّ تحقيق في القضية. تقتصر المعالجة على الشق المالي، على اعتبار أن الشركة أبدت استعداها، بعد تفاوض دام 8 أشهر (من آب 2019 حتى نيسان 2020)، لتزويد لبنان بصواريخ بديلة، وبالسعر الإجمالي نفسه. لكنّ أحداً لم يحرّك ساكناً، لجهة أن الجيش تزوّد بصواريخ، كان يمكن أن يحتاج إليها في معركة ما، وعندما يحين موعد استخدامها، لن تكون قابلة للإطلاق، مع ما يعنيه ذلك من خطر على الأمن القومي (لنفترض تكرار معارك كتلك التي وقعت في جرود السلسلة الشرقية بين أعوام 2014 و2017)، وعلى حياة الجنود والمدنيين، فضلاً عن احتمال تشكيل هذه الصواريخ خطراً على حياة الجنود والضباط الذين كانوا سيتولون إطلاقها.

قبل أيام، قرر القضاء فتح جزء من ملفات القيادة السابقة للجيش. فهل يجرؤ على طرق أبواب اليرزة لفتح ملف الصواريخ الفاسدة؟