على رغم أهمّية القضايا السياسية، لم يعُد جائزاً إهمال البُعد الاجتماعي، لأنّ استمرار الوضع الحالي بين انقسام سياسي وغياب الأمن الاجتماعي للناس، سيؤدّي إلى مزيد من الهجرة.
– أوتوستراد ساحلي يقود إلى الجنون…
– شواطئ ومسابح ومياه حلوة كما المالحة ممزوجة بالمجارير…
– مليارات لدائرة النافعة مع مصلحة صيانة في وزارة الأشغال بائسة، وحفَر أكثر من الزفت على الطرق…
– كهرباء منقرضة منذ عقود…
– غلاء معيشة يقصم ظهر الناس…
– فساد على كلّ مستويات النفوذ، ابتداءً مِن البلديات وأعضائها، نهايةً بنوّاب الأمّة ومجلس الوزراء…
– قضاء، اللجوء إليه مضيَعة للوقت والمال، وإهدارا للحقوق…
– نُخَب مهاجِرة، ومسؤولون لا مسؤولون من كلّ الفئات، سُخَفاء من دون خبرات، ومتحَكّمون!
– مسؤولون معيَّنون، من دون إرادة و لا إدارة، مجلس نوّاب لا يشَرّع، مجلس وزراء لا يقرّر ورئاسة جمهورية شاغرة.
– جهلٌ يتضخّم ككرةِ الثلج، فئات من المجتمع «تجاهد»، تقتل وتموت باسم «الله». فئات أخرى أيضاً « تجاهد»، تَقتل وتموت لتكريس كيانات خارج البلاد، وأيضاً باسم «الله»، وكلّه مسَيّر مِن قلّة متخلّفة من العمائم.
– ضحايا بالآلاف وأمَّهات ثكالى.
– مسؤولون لا يتحمّسون سوى لإذكاء نفوذهم، لا ينقضي يوم، من دون مؤتمر صحافي لأحدهم بتغطية شاملة من وسائل الإعلام، لكي يكلّمونا بسياسات مهترئة، بالية ومضجِرة!
هذا كلّه غَيضٌ مِن فَيض!
الهجرة متحكّمة ومسَيطرة، ولا يسألون لماذا!
عذراً، المسيحي خصوصاً في لبنان ليس فقيراً، فهو متوسّط الحال ومثقّف، لا ينقصه أيّ عامل لكي يهاجر، فهو باقٍ فقط من فَرط محبَّتِه للبنان، فما الذي يُجبره بعد للصمود أكثر من 40 عاماً معاناة، قهر، ذلّ ومعالجات غير مجدِية!
المسيحيّون خصوصاً واللبنانيون عموماً، راضون حتى الساعة، بالصمود في بلدهم على رغم كلّ هذه السياسات الفاشلة والفاسدة والمهترئة، إنّما أقلّه بالعيش بكرامة وفي الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي! على الأقلّ أن يصِلوا مِن قلب بيروت إلى ضواحيها خلال 20 دقيقة، «هذا ما يقتضيه الأمر»، إنّما ساعتان يومياً ذهاباً، وبمقدارهم إياباً، أي نصف نهار على الطرُق، مع حَرقٍ للمال والأعصاب، فهذا فوقَ المحتمل! وقِس على ذلك عشرات المقتضيات اليومية المعيوشة كالتي أسلفتُ عناوينَها.
فقبل أن تدعوا إلى إقرار قانون إعادة المتحدّرين من أصل لبناني، أوقِفوا شلّالَ الهجرة المتدفّق حاليّاً إلى الخارج! فالذي يقيم في أوروبا وأميركا ليس لديه أيّ حافز للعودة إلى هذا الجحيم!
هل سمعتم يوماً الدكتور سمير جعجع ينادي بقضايا اجتماعية تهمُّنا إلّا بشكل خجول؟! «حكومة إلكترونية، مخدّرات، من دون أيّ مفعول أو مردود!».
هل سمعتموه يوماً يضرب يدَه على الطاولة لحلّ أزمة السير أو غيرها؟! وبشَكلٍ مستمر ومتصاعد لحين إحلال القضية و بنبرة عالية؟!
هل سمعتم الجنرال ميشال عون وجميع نوّابه يوماً يطالبون بتحريج جرودنا، أو بحَلّ أزمة الأوتوستراد الساحلي، الكابوس؟! أو بمصانع لتكرير المجارير، أو بإنشاء معامل لتدوير النفايات، إلى ما هنالك؟!
أَطَلبَ الجنرال يوماً من مناصريه، التصعيدَ إلّا لأسباب، مشبوهة أو صادقة لا يهمني؟! هل طلبَ يوماً تصعيداً في سبيل بعض أو أحد القضايا التي أسلفتُ؟!
هل سمعتم يوماً سليمان بك فرنجية، في أيّ مؤتمر صحافي، يتكلم بغير وفائه لعائلة الأسد أو بردود مختلفة على سياسيين آخرين؟! أين مطالباته بمشاريع الإنماء ومشاريع الحلول لقضايا قهر المواطنين على مختلف أجزاء الوطن؟!
– أين مشايخ الجميّل من المطالبة بإلحاح وإصرار بالنزول إلى الشارع حتى بالورود، لتنفيس المجتمع المسيحي واللبناني من الاحتقان والإذلال الاجتماعي الموجود؟! فهو الحافز الأساسي للهجرة، وليست الأمور السياسية!
أين وأين وأين؟!!
إنّه اليأس، نَعم اليأس! فالصمود الاجتماعي هو المُتَّكَأ والأساس للصمود السياسي وليس العكس، فاليأس تحَكَّمَ بنا، إنّه يَدفعنا إلى التوتّر، إلى الجنون، إلى الإجرام، لكي نصل بالنهاية إلى السجون أو الفقر أو التزَلّم أو الهجرة!
أتعلمون؟ إنّه غابٌ، لكن حتى بلا شريعة! ما يَلزمنا حقّاً وبغياب إدراكِكم أنتم الزعَماء للُبِّ القضية، هو انتداب جديد، انتداب من أيّ دولةٍ مِن دوَل العالم الأوّل، لكي يهَذّب ويرَبّيَ ويشفيَ مجتمعَنا المريض لنصلَ إلى المبتغى…. فنحن لا نزال أطفالاً، ينقصنا النضجُ على المستويات كافّةً، وإدارة الأوطان قضية وللأسف صعبٌ علينا قيادتها!
إنّه مجتمع يَنقصه علامة واحدة فقط على عشرة، ليصلَ إلى الجنون والفَلتان المطلق!
فهو مفسود من أخمصِ قدَميه حتى الرأس.