Site icon IMLebanon

سباق الشوط الأخير بين المنظومة الفاسدة ومحاولات الإنقاذ

 

 

 

زيارة التضامن مع الشعب اللبناني التي يقوم بها حالياً الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لبيروت، تحوّلت إلى مناسبة لتقريع المسؤولين اللبنانيين على تقصيرهم المستمر تجاه بلدهم، وإستغراقهم في صراعاتهم وخلافاتهم وتعطيل المؤسسات الدستورية، وتأخير الإصلاحات الضرورية لفتح أبواب المساعدات اللازمة لإعانة لبنان على الخروج من أزماته الراهنة, مفتتحاً حملته بكلمتين: «استحقوا شعبكم».

 

المسؤول الأممي الأول ليس هو الوحيد من الشخصيات الدولية التي أدانت أداء المنظومة الحاكمة وفشلها في إطلاق ورشة الإنقاذ سريعاً، فقد سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن انتقد بشدة أنانية الأطراف السياسية والحزبية، ووضع مصالحها فوق مصالح البلد. وحاول عبر لقاءات في قصر الصنوبر مع قادة وممثلي القيادات السياسية أن يحدد خريطة طريق للخروج من النفق المظلم، ولكن مناورات السياسيين اللبنانيين ودهاءهم الخبيث، أجهض خطة الرئيس الفرنسي، وعطّل تشكيل «حكومة الإختصاصيين»، وبقي البلد بلا حكومة فاعلة وكاملة الصلاحيات الدستورية سنة وثلاثة أشهر .

 

من المحزن فعلاً أن يكون الأصدقاء والأشقاء أكثر حرصاً على لبنان من أهل الحكم، وأولئك أكثر رحمة ورأفة بهذا الشعب المعذب مِنَ الذين يُفترض بهم أن يكونوا أمناء على عيشه الكريم، وعلى كرامته وسيادته وعنفوانه، الذين لم يتورعوا على إفلاس الدولة وإفقار الناس في عمليات نهب منظمة، مازالت مستمرة حتى اليوم رغم وقوع الواقعة، وتوالي الإنهيارات المدمرة في مختلف القطاعات الحيوية والمنتجة.

 

كلام غوتيريس الذي أطلقه قبل وصوله إلى بيروت، ثم حرصه على تكراره في القصر الجمهوري، مؤكداً الرغبة في لقاء ممثلين عن المجتمع المدني، «لأننا نقف إلى جانب الشعب اللبناني في محنته، ونسعى لمساعدة اللبنانيين»، يُثبت بشكل قاطع أن لا ثقة دولية بالطبقة السياسية الفاسدة، وأن تأخر وصول المساعدات الإنقاذية من الخارج سببه الأساس الخوف من السطو عليها من قبل أطراف المنظومة الحاكمة، وإعادة تهريبها إلى حساباتهم في الخارج. ويبدو أن هذا الإحتمال متداول على نطاق واسع في عواصم القرار، بدليل أن أحد شروط صندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة المطلوبة منه يقضي بالحصول على ضمانات دستورية وقانونية بعدم تحويل هذه الأموال إلى الخارج لحسابات السياسيين الفاسدين.

 

ولا ندري إذا كانت مجرد صدفة أن تتزامن زيارة الأمين العام للمنظمة الدولية للبنان مع التصعيد الأميركي الأخير، والذي قرع الجرس للأطراف السياسية الفاسدة منذراً بإتخاذ عقوبات جديدة ضد بعض السياسيين الذين يعرقلون العملية الإصلاحية، ويتسببون في الشلل الحالي للحكومة، بعد تعطيل جلسات مجلس الوزراء منذ أكثر من شهرين.

 

والموقف الأميركي المتشدد يعكس التوافقات الأميركية ــ الأوروبية حول ضرورة إتخاذ تدابير رادعة بحق السياسيين اللبنانيين الفاسدين، جاء عشية الإنتخابات النيابية في أيار المقبل، في حال حصلت، لمساعدة قوى المجتمع المدني الساعية لتغيير التركيبة السياسية في البلد، وتنقيتها من العناصر الفاسدة والفاشلة.

 

ولكن أخطر ما يواجه هذه الحركة الدولية بإتجاه البلد الغارق في أزماته المتناسلة، إمكانية حصول تواطؤ بين الأطراف السياسية المتنافسة على إفتعال الأجواء المناسبة لتبرير تطيير الإنتخابات في موعدها القانوني، وقذفها إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية في الصيف المقبل، حتى تتمكن الأكثرية الراهنة من إنتخاب رئيس الجمهورية الجديد، وتبسط نفوذ قوى ٨ آذار، وخاصة حزب الله، على العهد المقبل.

 

لقد سبق للمنظومة السياسية أن تجاوزت خلافاتها، وتواطأت في ما بينها لإجهاض جهود الرئيس الفرنسي في تأليف حكومة إختصاصيين من غير السياسيين، ولا يرتبط أعضاؤها بالأطراف الحزبية والسياسية، لتمكينها من وضع البلد على سكة الإنقاذ، بعيداً عن المؤثرات السياسية التقليدية التي أفلست البلد، ودفعت شعبه إلى مهاوي جهنم وبئس هذا المصير الذي تتخبط في وديانه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.

 

لقد رفعت واشنطن كارت «الدولة الفاشلة» في وجه الحكم الحالي، وتعهدت بعدم السماح بتحويل هذا البلد إلى دولة فاشلة، في ظل هذه المنظومة السياسية الفاسدة، التي فرطت بحقوق شعبها، وسكتت على مصادرة سيادة البلد من طرف حزبي (حزب الله) على ما جاء في تصريح للخارجية الأميركية.

 

تثبيت لبنان في خانة الدولة الفاشلة يعني فتح أبواب المحاسبة الدولية أمام المسؤولين الذين فرّطوا بمسؤولياتهم الوطنية على حساب سرقة أموال الدولة، وممارسة أبشع أنواع التنكيل الإجتماعي بحق شعبهم الذي تعرض لأقسى أساليب القمع عندما خرج الشباب في إنتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩.

 

أما الرصاصة الأخيرة بيد هذه المنظومة في الرد على المحاولات الخارجية لإصلاح الوضع السياسي فقد تلجأ إلى إجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، وتقديم المهلة الدستورية لإنتخاب الرئيس الجديد، شهرين أو ثلاثة، على غرار ما حصل في أواخر عهد الرئيس سليمان فرنجية، حيث تم إنتخاب الرئيس الياس سركيس في شهر أيار قبل ثلاثة أشهر من بدء المهلة الدستورية.

 

إنه سباق الشوط الأخير بين المنظومة الفاسدة والمحاولات الإنقاذية، الداخلية منها والخارجية.

 

فهل يكسب الشعب اللبناني رهان التغيير؟