دَعْ عنكَ هذه المسرحيات الهزلية التي تجري في القصور… وهذا التراشُقَ بالتشكيلات الحكومية وملفّات الفساد وأشباح الوزارات وخِصْيانها.
فلمْ تعُـدْ هذه الشعوذة تستحقّ نقطـة حبـرٍ مِـنْ قلـم.
واكتبْ ثائراً عن وطـنٍ يتمزَّق وشعبٍ يتحرَّق حتى يُصبحَ القلمُ كأنّه بعضٌ مِـنْ يَـدِك، وتُصبحَ الأصابعُ كأنَّ كلاً منها قلـم.
وأنْ تكتب في بهلوانية السياسة فالحبر ماءٌ ملوَّث.
كلُّ ما كتبتْـهُ ريشةُ التاريخ الحضارية عن أمـجادِ لبنان حطّمتْهُ همجيةُ الحكام والسياسيين، الحكام قراصنةٌ والسياسيون هنودٌ حمْـر.
أكتبْ ثائراً عن ذلك اللبنان، عن ذلك الفردوس الذي تحـوّل إلى وطـنٍ محطّم… إلى جهنّم، يتجهَّم بسواد الليل، يتأجَّج بالنار، يضـجّ بالأفاعي، والشياطين فيه تضاجع النساء.
أكتبْ عن شعبٍ كان «بنْكاً» للأدمغة، يلجأ إليه كـلُّ ملهوفٍ إلى المعرفة، وكـلُّ رأسِ مـالٍ بشري يَنْشدُ مواهبَ العقل.
شعب بات يحمل فراشَـهُ على كتفيه، ينزح في أرضه ومن أرضه، يتلوّى ألـماً ويتلوَّع جوعاً ويقف على أبواب المحسنين.
وهُـمْ كلُّهم هُـمْ، ما زالوا يجلسون على الكراسي المرتجفة، يقبضون الرواتب وفوائد المال المنهوب، خبزُهمْ معجونٌ بالسمنِ ولقمةُ الشعبِ بالسمّ.
ومع تراكم الجُثث ما زالوا يتنازعون على جُـثّـةِ حكومة، على الحصص والمعايير والميثاقية، على مذهبية الوزراء والحقائب، وكلُّ مذهبٍ أصبح تجارةً في وزارة، والدولة متهاويةٌ متنازعة لا يتصالح فيها الناس إلاّ بالموت.
ويبقى الذنبُ ذنب الميثاقية، هذه الأسطورة الكاذبة التي يتعذَّرُ فـكُّ رموزها، باسمها تُرتكب الجرائم والمآثـم، وباسمها كان السلب والنهب والتزوير والتهريب والفساد واغتصاب المال الحرام، وهي السبب في كلّ ما يصيب البلاد والعباد من انهيار وانفجار، وكلِّ مَـنْ ارتفع ضغطُه وبالسكْتةِ القلبيةِ مات.
وبوحي هذه الميثاقية ، كلّهم طالبوا بإلحاحٍ ويطالبون بتأليف الحكومة وأيَّ حكومة يريدون…؟
يريدون حكومة، ولا يريدون حكومة تحكم، لا يريدون الجمهورية القويّـة ولبنان القوي… لبنان القـوي يصبح أقوى منهم، ولبنان الضعيف يستقوون عليه، ويتقاسمون فيه المراتب والمناصب وكلَّ مغانم الإثـراء والتوريث.
على أيّ حكومةٍ إذاً يراهنون…؟
وأيُّ شيءٍ أبغض على لبنان، وأيّ شيء أكثر عقاباً له، من أن تحكمه طبقة فاسدة العقل ملوَّثـةُ الأيدي ملطّخة الضمير…؟
وأيَّ خلاصٍ نترجَّى من حكامٍ يحاول كلٌّ منهم أن يفتك بالآخر.
في خضمّ الثورة الفرنسية كتبَتْ إحدى الإدارات: «من الأفضل نتيجةَ عجـزِ المعاشات أن يكون الإنسان مجرماً على أن يكون رئيس مكتب، لأنّـه ليس من مجـرم أو محكومٍ أو معتقل، إلاّ ويكلّف الدولـة أضعافَ رئيسِ مكتبٍ من مكاتبنا…»
أليس هذا البيان ما ينطبق اليوم على لبنان وشعب لبنان…؟
وهل من المستغرب أن يفضّل هذا الشعب الإبقاء على الحياة في سجن المجرمين، على ما يعانيه من انتحار جماعي بطيء يُدعى حياة…؟
وهل يستغرب الذين يحوّلون الدولة إلى سجن ظالمٍ ومظلم، مِـنْ أنْ يتحَّولَ الجياعُ فيها إلى مجرمين…؟
لقد أنذرتْنا المراجع الأمنية بحدوثِ اغتيالات…
فهل يُخشى: إذا لـمْ يتمَّ التغيـير بالإستقالات…
وإذا لم يتـمّ التغيـير بالإنتخابات…
وإذا لم يتـمّ بالمحاسبة العدلية…
أن يتحقّـق التغيـير – لا سمح الله – بالإغتيالات، فيُصبح الإغتيال للمرة الأولى بمثابـة حكمٍ قضائي باسم الشعب اللبناني.
عاش الشعب اللبناني العظيم.