سئل القاضي: لماذا تتساهلون في ملفات الفساد والإرتكابات؟!. فقلّما يصل أي ملف الى خاتمته الطبيعية؟
القاضي لم يفاجئه السؤال، لأنه كان الموضوع الرئيس في الحلقة التي ضمته وبضعة أشخاص آخرين بينهم وزيران حالي وسابق وثلاثة نواب سابقان وممدد لذاته، وصحافيان مخضرمان ولكنهما فاعلان…
أجاب: ومن قال اننا نتساهل في ملفات الفساد؟
فقيل له: الملفات تقول. والوقائع تقول. والقضايا العالقة بالعشرات تقول.
فقال: إن بعض الظن إثم.
قال أحد الصحافيين المشاركين في الحلقة، وهي إحدى بضع حلقات أقيمت في مناسبة اجتماعية تكريماً لمرجع كبير سابق:
صحيح أن بعض الظن إثم، ولكن الأصح ما قالت العرب: سوء الظن من حسن الفطن. مع الإستدراك أنّ ليس في الأمر ظناً إنما فيه واقع ملموس.
تنهد القاضي، ثم قال: إذا كنت (موجهاً كلامه للصحافي) تهدف لاستدراجي الى الخوض في هذا الموضوع فقد نجحت. إنما يا سيدي نحن نتقاعس ولا نتساهل. بل نتعمّد أن نتقاعس. لماذا؟ لأننا إذا فتحنا الباب، في ملف واحد، نكون كمن »يحركش« وكر الدبابير. وأود أن أقول: ان الفساد بات احدى سمات العصر اللبناني منذ ما بعد توقف القتال حتى اليوم.
وقيل له: ولكن يا ريّس هذه الشمولية (أو شبه الشمولية) لا تعطيكم صك براءة في ترك الملفات نائمة في الأدراج، فما من قضية تبلغ خاتمتها… وما بقيت القضايا المعروضة على القضاء من دون خواتيم فإنّ الفساد سيبقى من دون ضوابط.
وقال القاضي: جاء دوري لأسأل: هل تريدون أن تقولوا لي ان حكماً يصدر في قضية فساد سيكون كفيلاً باستئصال هذه الآفة التي تضرب المجتمع اللبناني؟!.
فأجابه الصحافي: ابداً، لسنا من السذاجة لنصل الى هكذا حسم. فقط اردنا أن نقول انه يحق للمواطن ان يحلم بنوع من قضاة »الأيادي البيضاء« التي عرفتها احدى الدول الأوروبية. وأن نحلم بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب. حتى إذا أصدرتم هكذا حكماً تكونون قد اسقطتم الكثير من النظريات القائمة منذ ما بعد الحرب، أو تكونون قد وضعتم القطار على سكة اسقاطها:
نظرية الإعتزاز بالسرقة والإحتيال وتكديس المال الحرام؟!
نظرية السخرية من الذي لا يسرق لأنه »حمار«؟!.
نظرية ان الأخلاق والقيم اشياء من الماضي؟!.
نظرية أن من يتمسك بأهداب القيم والأخلاق والقانون هو: »ليك هيدا وين بعدو«؟!.
النظرية الأكبر: معك مصاري أنت مهم ولو كنت من جماعة »الموهوبين تفاهة«… وما معك مصاري أنت لا تساوي شيئاً؟!.
نظرية جمع المال مهما كانت الوسيلة سافلة ومهما كان متوسلها حقيراً، فاقداً الكرامة؟!.
… وطال الحوار، وقد تكون له تتمة في عجالة لاحقة!