Site icon IMLebanon

فساد وغشّ

 

«إنه تراكم عقود من سوء الإدارة والفساد والغشّ وفشل الزعماء اللبنانيين في تغليب مصلحة البلد (…). إن الولايات المتحدّة الأميركية والمجتمع الدولي مُستعدّان للمساعدة، لكن لا يُمكننا فعل شيء مؤثّر من دون شريك لبناني. ويتعيّن على السياسيين اللبنانيين إبداء المرونة المطلوبة لتشكيل حكومة قادرة على القيام بإصلاحٍ حقيقي، وهذا هو المسار الوحيد للخروج من الأزمة، وسيكون مجرّد خطوة أولى».

 

كان ينقص المنظومة السياسية في لبنان شهادة آخر شاهِد من الإدارة الأميركية السابقة، السفير دايفيد هيل، كي يبلّ يده فيها، فيشملها بالتأنيب باتّهاماتٍ موجعة. فهي من جهّة لا تُغلّب مصلحة البلد (وضمناً أنها تغلّب مصالحها الذاتية والآنية)، وهي من جهّة ثانية لا تُبدي المرونة في تشكيل الحكومة، وهي ثالثاً تكذب عندما تتكلم عن الإصلاح لأن المطلوب «إصلاح حقيقي»، وهي رابعاً غشّاشة، وهي خامساً فاسدة، وهي أخيراً وليس آخراً لا تكتفي بأن تُعرقل الحلول، إنما أيضاً لا تُساعد الخارج في إيجادها.

 

وهكذا، بكلامٍ واضحٍ، انضم هيل إلى سائر الأطراف الخارجية التي نزلت بالمنظومة إياها جلداً وتأنيباً. صحيح أن هذا الموفد الأميركي إلى المنطقة يبذل حالياً آخر محاولةٍ في مسعاه بشأن تقريب وجهات النظر بين لبنان والكيان العبري في فلسطين المحتلّة حول ترسيم الحدود المائية – الاقتصادية بين الجانبَين. ولكنه، حتى إشعارٍ آخر، محدود بالأيام وربّـما بالساعات، لا تزال له الصفة الرسميّة. وصحيحٌ أيضاً أنه من رواسب الإدارة الأميركية السابقة، إلا أنه تحرّك، أمس، بصفته الرسمية كموفدٍ إلى بلدنا.

 

من أسفٍ كبير أن أهل السياسة في لبنان لم يفقدوا فقط ثقة اللبنانيين بهم، بل فقدوا أيضاً ثقة العالم، الذي بات ينظر إليهم باحتقار، ويُخاطبهم بأقسى درجات التأنيب غير المسبوقة في اللغة الديبلوماسية. أما إذا نظرنا إلى أرض الواقع، فنرى أمامنا المثل السائر: «دق المي مي»، ونظيره المثل الآخر: «اللي استحوا ماتوا»!

 

ونحن اللبنانيون، نسأل أنفسنا: لماذا ابتُلينا، في هذه الحقبة من الزمن التي أعقبت الحرب وحتى اليوم، بهكذا طبقة سياسية؟!.

 

أخيراً، في تقديرنا أن الجواب هو بكلّ بساطة، لأننا أوكلنا أمرنا إلى الذين خاضوا الحروب البائسة والمدمّرة في آنٍ معاً. وهذا يُعاكس حركة التاريخ، فصانعو الحروب في البُلدان الديموقراطية ينكفئون أمام الذين يصنعون السلام.