Site icon IMLebanon

الويل لكم

 

لم يعد في هذا اللبنان شيءٌ من ذلك اللبنان الذي كان. من نافل القول أن نُردد أنه كان واحةً غنّاء، فأمسـى صحراء قاحلة. بل أكثر من ذلك، فالصحارى الغبراء حوّلها أصحابها إلى واحاتٍ بينما نحن حوّلنا «لبنان الأخضر الحلو» إلى قبحٍ ويباس.

 

وأن نقول إنه كان وكان وكان مما يعرفه الجميع، فبات على هذه الحال المُزرية التي لحمتها الفقر وسُداها التخلّف وعنوانها البشاعة.

 

إننا نُـمعن في الكذب على أنفسنا، كما على الغير، فندّعي أن الآخرين فعلوا بنا كذا وكذا. وأنهم وراء فقرنا المُدقع، وتخلّفنا، وتقوقعنا، وعزلتنا، وعتمتنا، وتحويل شعبنا إلى «الإعاشة». والواقع أن أقل ما يُقال في هذا الادعاء أنه كذبٌ يبلغ حد النفاق حيناً، والبلاهة حيناً آخر، والوقاحة في كل حين.

 

ولنفرض جدلاً، أو واقعاً، أن الآخرين هم الذين فعلوا بنا ذلك، فهلّا سألنا أنفسنا: لماذا؟ وأيضاً كيف سمحنا لهم أن يفعلوا بنا هكذا؟ ولماذا لم يكونوا يفعلونه يوم ازدهار لبنان عنوانٌ عريض، وتقدّمه وريادته حديث الأقربين والأبعدين، ودوره ورسالته علامةٌ فارقة مُعترف فيها ومرحّب بها أيضاً من الجميع في مشارق الأرض ومغاربها؟

 

ولماذا لا نسأل أنفسنا عن دورنا، نحن الداخل اللبناني، عما فعلناه في هذا البلد، وكيف أوصلناه إلى الجدران الموصدة، وكيف سمحنا للفساد أن يستشري فيه، فيأكل (كالجراد) الأخضر واليابس؟

 

وأيضاً: لماذا نمجّد الفساد ونعظّم الفاسدين ونواليهم، بل ونستشرس في الدفاع عنهم؟ ولماذا نرفع لهم الأنصاب والصور في النفوس كما في الساحات والجادات العامة؟ هل الخارج هو الذي قال لنا: قدّسوا سارقيكم، وباركوا منتهكي كراماتكم ومجّدوا المتاجرين بكم في أسواق المعادلات الدولية؟

 

وهل الخارج هو المسؤول لأنه استعبد القيادات، وارتهنها، واشتراها وباعها، ليس فقط على مسمع ومرأى منا، بل أيضاً بتشجيعٍ وتصفيقٍ وحماسةٍ واندفاعٍ وانبطاحٍ عند تلك القيادات المُنبطحة أصلاً أمام الخارج؟

 

وهل الخارج هو الذي فرض علينا أن نخضع للقيادات الهجينة التي أذاقتنا من المر أشدّه مرارةً، فقلنا هذا هو العسل، وأوقعت بنا جراحاً إستطبناها، وأمعنت فينا تعذيباً ألفناهُ، واستعبدتنا، فأقمنا مهرجانات الفرح للحرية التي «ننعم» بها!

 

«يا خجلتكم» من حكم التاريخ والأجيال الآتية.