هل كنّا بحاجة إلى انفجار خزان بنزين بالشباب المتكومين فوقه لتعبئة غالونات بنزين أتوا بها واحتشدوا ـ بفعل إطلاق رصاصتين أو استعمال قدّاحة أشعلت الخزّان ـ حتى تطايرت جثثهم واحترقوا وهم أحياء، حتّى الذين تفحّمت جثثهم واختفت معالمها خلف سواد دامس وتم نقلها إلى إحدى المستشفيات لم ينجوا من قلّة أخلاقنا وتجارتنا بفواجع الموتى وعدم مراعاة حرمة جثثهم وأوجاع أهاليهم، لم يتردّد ممرّض في إدخال أحدهم ليحمل هاتفه ويجول بكاميرته على جثث مواطنيه المتفحّمة بل عمل على كشف الغطاء عنهم لتصويرهم بوضوح بل لم يتردد الممرض من إخراج جثّة أحد هؤلاء من درج ثلاجة الموتى وفتح سحاب الكيس الذي وضعت الجثّة فيه ليجري تصويره، نحن لا نعرف في أي مستشفى كانت هذه الجثث ويبدو أنها كانت في غرفة ثلاجة الموتى ما نعرفه فقط أنّ حرمة هؤلاء انتهكت أحياءً وأمواتاً ثم تحوّلوا إلى ڤيديو تتناقله هواتف اللبنانيين عبر “الواتس أب” مع تحذير يحمل عنوان فيديو قاسٍ جداً لا ينصح لأصحاب القلوب الضعيفة!!
هذا عن الأموات، أمّا عن الأحياء فقد استيقن كثير من اللبنانيين أنّه إذا كان الذين يخزّنون المحروقات تحت الأرض وفوق الأرض وفي بيوتهم وفي محطاتهم وفي خزاناتهم هم والمنظومة السياسيّة التي تحميهم والأحزاب التي يستقوون بها هم نصف العصابة الأوّل فإنّنا كلبنانيّين نتاجر ببعضنا البعض فنحن بالتأكيد نصف العصابة الآخر!!
للمناسبة في الرابع والعشرين من شهر آذار العام 2020 كتبنا في هذا الهامش مقالة حملت عنوان نصف العصابة كتبنا فيها “خلال اليومين الماضيين تداول اللبنانيّون عبر تطبيق “الواتس أب” نصّاً يختصر الحقيقة “الفجّة” وهذا النصّ هو بمثابة صرخة يجب أن يصل صداها إلى كلّ الذين يديرون “دينة الطّرشا” وعلينا أن نتساءل مع هذه الصرخة “حين يقفز سعر الكمّامة من الـ 250 ليرة إلى 3000 ليرة ويرتفع سعر المعقّم من 3000 ليرة إلى 15000 ألف ليرة ويمتصّ بعضنا دم أخيه مستغلّاً الظّروف الصعبة! عندها ندرك أنّنا نصف العصابة”!!
عمليّاً؛ نحن أكثر من نصف العصابة، فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائيّة أضعافاً بل أصبحت خياليّة من دون أن يكترث نصف عصابة المنظمة – الحكومة وطليعتهم وزير الاقتصاد، ومعهم نصف العصابة الثاني وهم التجار الذين لم يرحموا حال المواطن اللبناني الذي بات على حافّة الجوع ومع هؤلاء كلّ أصناف التجار، من تجار الدواء والماء والكهرباء والمحروقات والدولار، وهؤلاء نصف العصابة الثاني. ويدرك المواطن الضحيّة أنّ العصابة بنصفيْها لن تجد من يحاسبها فهذا موسم الاستفادة، من المؤسف أنّه في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التكافل والتضامن والتعاون نجد هناك من يسارع إلى سلخ المواطن اللبناني حتى العظم غير آبهٍ بحال الآخر ووضعِه متجرّداً من أي إنسانيّة ومن كلّ رحمة، وأقول بصدق ثمّة حكايات كثيرة كنتُ أقرأها عن مجاعة العام 1913 أو سمعتها من كبار العائلة، ولم أكن أستطيع أن أصدّق من أخبارها أنّ هناك لبنانيّاً باع لبنانيّاً آخر حفنات طحين مقابل قطعة أرض يملكها، هذه الأيام جعلتني أصدّق هذه الحكايات والتخوّف من تكرارها، نحن نعيش في دولة عصابة لديها تجارها وسماسرتها وزبانيتها، فما الذي يمكن أن يُقال بعد؟!