اذا لم تجد الدول من يدمّرها من الخارج، فانها تدمّر نفسها بنفسها بعوامل عديدة. منها الانقسامات الغرائزية والحروب الأهلية طويلة المدى والتي من شأنها ان تقضي على الدولة ب الضربة القاضية. ومنها أيضا وباء الفساد الذي يجتاح الدولة والمجتمع ويقضي عليهما بالأساليب الناعمة وعلى مدى زمني طويل وبالتراكم، فتكون الهزيمة ب النقاط، وان يكن ذلك هو بمثابة ضربة قاضية أيضا. واذا كان الفساد هو البطانة الحريرية الفاخرة للرأسمالية المتوحشة والاقتصاد الحرّ، فان الفساد ظاهرة بشرية خارقة لكل أنواع الأنظمة في العالم، ما استجد وعرفناه بالممارسة، أو ما يمكن أن يستجد أو يتم ابتكاره من أنظمة في مستقبل الأجيال الآتية…
قد يكون عهد الرئيس العماد ميشال عون هو الثاني منذ الاستقلال بعد عهد الرئيس فؤاد شهاب الذي يجعل من الاصلاح عنوانا له. وقد يبادر منذ اللحظة الأولى لاجتماع الحكومة برئاسته بعد تشكيلها، الى تحميلها مجتمعة، والى وزرائها منفردين، مسؤولية مكافحة الفساد في وزاراتهم. وأن يزيد على ذلك بتعيين وزير دولة هو الوزير نقولا تويني وتسند اليه تحديدا مهمة مكافحة الفساد في الدولة والمجتمع. وهذا يعكس ما تمثله قضية مكافحة هذه الآفة من الاهتمام في سلّم أولويات رئيس الدولة.
واذا كانت مشروعات الحكومة في أي مجال كان لها بداية ولها نهاية حتمية، فان مكافحة الفساد مشروع مستمر على مدى العهد وعلى حكوماته اللاحقة. بل ان النجاح في هذه المهمة يقاس بالقدرة على أن جعل مهمة مكافحة الفساد نمط حياة، ليس في هذا العهد وحسب، وانما أيضا في العهود المقبلة.
لا يكفي أن يكون نقولا تويني وزير الدولة لمكافحة الفساد، رجلا صاحب سمعة طيّبة من حيث النزاهة والكفاءة وانه من خيرة الرجال الأوادم في المجتمع، لينجح في مهمته. وهذه المهمة بالتحديد لا يمكن تنفيذها ب صمت وبعيدا عن الأضواء. ومن أولى الواجبات وضع برنامج علمي صارم ودقيق لمكافحة هذه الآفة، وان يعلنه على الملأ، وان يطلق دينامية جديدة، وان يستثمر كل الوسائل القانونية والسياسية والاعلامية والنفسية، لمحاصرة الفاسدين، ومحاسبتهم، وإلقاء الرعب في نفوس كل الذين يفكرون – حتى مجرد تفكير – باستغلال الدولة والناس بطرق فاسدة.
أفضل ما يمكن أن يفعله الوزير نقولا تويني أن يبادر الى الفعل باكرا، وان يفجّر قضية فساد تكون رادعة، وتؤكد للجميع ان العهد جاد في مكافحة الفساد دون استثناءات. وأن يبادر الى ذلك في أقرب وقت ممكن بعد نيل الحكومة الثقة. والوزير لن يعاني من مشكلة ندرة في مجال الفساد، وانما من مشكلة اختيار! وجلسة الثقة هي بمثابة ليلة الدخلة… ولكن أين القطّ؟!