IMLebanon

كلّن سرّاقين!

 

 

 

استوقفني بالأمس حجم طالبي المساعدات بلهفة وحسرة من الدّواء إلى إيجار البيت المكسور إلى سرقة أصحاب المولدّات للمواطن في احتساب الدولار بأقل من سعره الحقيقي في السوق السّوداء في برنامج “الحلّ عنّا” ولم تتردّد مقدّمة البرنامج في اختصار الوضع القائم بكلمتيْن هما جوهر واقعنا المتوحّش “عم ناكل بعضنا”، هذه هي الصورة الحقيقيّة للواقع اللبناني فليس صحيحاً أبداً أنّ هناك فريق المسؤولين الفاسدين ومن خلفهم كلّ منظومة الفساد في هذه المغارة الكبيرة والعميقة التي يزداد غرقنا فيها كلّ يوم من دون حسيب أو رقيب، ولا تصدّقوا وزير الاقتصاد الذي خرج يتعنتر على الشاشة قبل يومين بدعوى خوفه على مصالح المواطن فيما لم يكفّ عن تكرار كلمة “أنا” عشرات المرّات وهو يصول ويجول فيما التجّار وجماعة السوبر ماركت وكلّ أنواع المحال وصولاً إلى الدّكاكين الصغيرة التي تغيّر أسعارها مرّتين وثلاث مرّات في اليوم ولا من يحاسب ولا من يراقب!

 

ترّتب عليّ منذ وفاة والدي ـ رحمه الله ـ أن أذهب لقضاء بضع حاجات منزليّة كان يقوم بها عنّا، وقفت في سوبر ماركت في الحي واخترق مسمعي صوت الزّبون وهو يسأله عن نوع من الخضار بعدما استهول سعره فقال لها “عمرها ما تتاكل”، ضحكت مديرة المحلّ قائلة أنّ سعرها ارتفع بسبب الصّيام عند المسيحيّين، أصابني الذّهول كيف يسلخ هذا الشّعب جلد بعضه البعض عند كل مناسبة ومن دون مناسبة، كدت ألتفت وأقول لها:”إذا كان ليس هناك مسيحيّون في هذه المنطقة وقد رفعتم الأسعار إلى هذا الحدّ، فماذا ستفعلون بنا مع دخول صيام المسلمين بعد بضعة أيّام؟”! “عم ناكل بعض” ليست الدولة الفاسدة والمنظومة الفاسدة هي الوحش الذي يفترس الشّعب، نحن أيضاً أمام شعب فاسد من صغيره إلى كبيره متورّط في سرقة ونهب بعضه بعضاً، ومع هذا نطالب بمحاسبة الفاسدين الذين يجلسون في مقاعد السّلطة في الحقيقة يجب محاسبة الفاسدين الجالسين في مقاعد الشّعب والّذين لا يكفّون عن لعب دور الضحيّة، صدق الإمام عليّ الذي اختصر كلّ هذه المنظومات منذ أربعة عشر قرناً من الزّمان بجملة واحدة “كما تكونوا يولّى عليكم”!

 

عمليّاً؛ كنت أظنّ في مقالات سابقة أنّنا نصف العصابة في الحقيقة كلّنا “عيّنة” واحدة “وما حدا أحسن من حدا” الكلّ سرّاقين ويتساوون في الفساد، عمليّاً نحن أكثر من نصف العصابة، فقد تضاعفت أسعار المواد الغذائيّة أضعافاً من دون أن يكترث التّجار أو يرحموا حال المواطن اللبناني الذي قد يكون توقّف راتبه، أو بات يقبض نصف راتب، أو لم يعد يساوي راتبه بضعة آلاف من الليرات  تجعله يقف أمام احتياجات أطفاله وبيته عاجزاً ومدركاً أنّ هذه العصابة لن تجد من يحاسبها فهذا موسم الاستفادة من نهب ما تبقّى إن تبقّى شيء!

 

من المؤسف أنّنا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التّكافل والتّضامن والتّعاون نجد أنفسنا نسارع إلى سلخ بعضنا بعضاً حتى العظم غير آبهين بحال الآخر ولا بوضعه متجرّدين من أي إنسانيّة وكلّ رحمة، وأقول بصدق ثمّة حكايات كثيرة كنتُ أقرأها عن مجاعة العام 1913 أو سمعتها من كبار العائلة ولم أكن أستطيع أن أصدّق من أخبارها أنّ هناك لبنانيّا باع لبنانيّاً آخر حفنات طحين مقابل قطعة أرض يملكها، هذه الأيام جعلتني أصدّق هذه الحكايات والتخوّف من تكرارها، بسب عصابة مكتملة الأوصاف بين الدّولة والمواطن عصابة يلبي كلّ واحد من أفرادها دوره كاملاً  وببراعة شديدة “يهبش” و”ينهب” ما يستطيع نهبه، نهب أعاد إلى ذاكرتي مشهداً من ليلة من ليالي الحرب عندما فوجئنا بكثير من الجيران يركضون باتجاه محل فيركو الشهير في كورنيش المزرعة صارخين بأن المحل يحترق ظننتُ أنّهم هبّوا لإطفاء الحريق حرصاً على رزق هذا المحلّ الجار، كانت صدمتي لا تصدّق وأنا أراهم يدخلون ويخرجون حاملين بضائع المحل عائدين بها إلى منازلهم، يومها لم أفهم أنّه لا فرق بين الذين سرقوا وبين الذين وقفوا يتفرّجون عليهم ويعرفونهم واحداً واحداً، ولكنّهم التزموا الصمت، وهذا يفسّر بوضوح أسباب صمت الشّعب اللبناني واكفائه عن التمرّد على هذا الواقع نحن شركاؤهم من زمان!