Site icon IMLebanon

الفساد

 

ارتبطت مكافحة الفساد في مطلع عهد الاستقلال بتعبير لم يخلُ  منه أي بيان وزاري. وهو «تطهير الإدارة». والمقصود بالطبع  إدارات الدولة وسائر المؤسسات الرسمية. ومن باب الإنصاف شهدت عهود إستقلالية عديدة محاولات جدّية في هذا المجال. فأحيل موظفون كبار وقضاة وديبلوماسيون ومحافظون الى التحقيق، وتمّ صرف بعضهم وأحياناً كثيرة من دون وجه حق كما حدث إثر ما عُرف  بـ«كارثة  الثلوج»في الثمانينات إذ طاولت إجراءات  المحاسبة القاسية  بعضاً من أكثر الموظفين الكبار إخلاصاً وأمانة وإنتاجاً. وفي منتصف الستينات أجريت عملية إصلاح إداري ضخمة اعترض عليها بعض ممن طاولتهم  وتقدموا بطعن لدى المراجع القضائية الإدارية.

 

إلاّ أنّ ذلك، على أهميته النظرية المبدئية، لم يؤد الى أي ردع… واستمر التسيُّب في الإدارة حتى بلغ ذروته في العقود الأخيرة، وصارت الأمور «عً المكشوف» ما يعرفه الجميع. فلم تُستبح فقط مصالح الناس وحسب بل أيضاً تعرضت مصالح الدولة وحقوقها (التي هي، في النتيجة، مصالح المواطنين) إلى عملية نهب مروّعة … ولنعطِ على سبيل المثال لا الحصر «قضية» الأملاك البحرية.

 

ذلك كله أدى الى إفقار  الدولة وإثراء غير مشروع أرقامه خيالية للبعض من الذين، من أسفٍ لم يشبعوا بعد، ويصرّون على آخر نقطة حليب في هذه البقرة التي جفّ ضرعها وذاب شحمها ولم يبق منها سوى الجلد والعظم، ومع ذلك ما زالوا يجدون فيها ما يراكم الثروات غير المشروعة.

 

وإذ نؤكد أنه على  الذين يسهبون في الحديث عن الفساد ليلاً ونهاراً أن يتقدموا بما لديهم من أدلة ومعلومات خصوصاً  أنّ «البيّنة على المدعي» كما تقول القاعدة الذهبية للعدالة….

 

إذ نؤكد على ذلك نود أن نعرب عن اعتقادنا  بأنّ مكافحة الفساد هي، قبل أي شيء آخر في الهيبة… هيبة الدولة. فعندما كان في لبنان دولة كانت ترتعد فرائص الموظفين، على اختلاف درجاتهم، لمجرّد أن يصل «المفتش» الى دائرة من الدوائر الرسمية.

 

وهل يفوتنا أن نستذكر  الأيام القليلة التي أعقبت انتخاب الرئيس الشهيد المرحوم الشيخ بشير الجميل الذي كان مجرّد انتخابه مدخلاً الى انضباط غير مسبوق في الادارة الرسمية بالرغم من أن لبنان كان في انقسام حاد والحروب كانت في اشتعال!

 

ثم لدينا مثال لافت في شخصية  من أصل لبناني… فالأميركي اللبناني الأصل رالف نادر الذي كان، قبل عقود مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية وضع خريطة عمل لمكافحة الفساد. فليت المسؤولين يدعونه (ولو متأخرين جداً) الى لبنان ويستشيرونه فلربما يجدون لديه ما يصلح مادة جيدة تسهم في تسهيل مهمتهم الإصلاحية.

 

جميعهم يقولون بمكافحة الفساد، وهذا العهد أنشأ وزارة دولة لهذه الغاية… فهل يتم تفعيلها في الحكومة الآتية بوضع الإمكانات البشرية أولاً ثم المالية ثانياً في تصرف الوزير… وإذا كانوا جميعاً ضد الفساد (أحزاباً وقادة وزعماء و…) فهل الشعب هو الفاسد؟!